يبدو أن الروس جادون في محاربة الأميركيين وأوروبا بأرواح السوريين وحاضرتهم، بينما طاغية الشام مرتاح لهذه الملهاة الروسية التي لا تعرف حدّاً للقتل. فهم يطبّقون في حلب منذ أشهر، والآن في شكل خاص، ما فعلوه في الشيشان حيث حرقوا الحجر قبل البشر كجزء من عقيدة عسكرية جذورها في الستالينية والحكم الأمني المُطلق وعُقدة الحاكم المُطلق. لقد تجاوز الطاغية في الشام وحلفاؤه من قبل، الإيرانيون وحزب الله والمرتزقة، كل ما نصّت عليه أحكام البند السابع لنظام مجلس الأمن المتّصل بمناطق الصراع وشروط التدخل لوقفها أو وقف جرائم ضد البشرية تحصل في إطارها. الجرائم ضد البشرية في الشام بدأها النظام منذ قرر إعلان الحرب على الشعب/ المدنيين مستخدماً كل وسيلة ممكنة، التطهير العرقي والتدمير الشامل للحاضرة المدنية والإبادة الجماعية واستعمال الأسلحة المحرّمة دولياً (الغازية والحارقة والفوسفورية)، وتغيير الطابع الديموغرافي للمدن والأرياف إلى الحملة المستمرة منذ شهور لإخضاع حلب من خلال حرقها. لكن الأيام الأخيرة تروي بوقائع الحرب ودمارها الرهيب، قصّة تدمير المدينة العريقة على أهلها. إنها مجزرة حلب بامتياز، وفي الخلفية رغبة روسية في الضغط على الغرب والولايات المتحدة في إطار ملفّات عدة، أولها أوكرانيا وآخرها الضغط لإلغاء العقوبات الاقتصادية الغربية على اقتصاد روسي متداعٍ. ليس هذا فحسب، فالضغط الروسي لا يكلّف الروس شيئاً لأن إيران تدفع كل فاتورة قد تُكتب، وهو يأتي في مفصل حساس في السياسة الأميركية هو انتخابات الرئاسة. في حين تُعلنها إيران المندفعة صراحة أن الحرس الثوري فيها سيواصل الحرب على الشعب السوري كجزء من عقيدته الاستراتيجية تحت مسمّى عدم التخلّي عن نظام الطاغية. الأمم المتحدة بمؤسساتها كافة، على رغم النوايا الحسنة في الأصل وقلق الأمين العام، متورّطة هي أيضاً في سورية كما هي متورّطة في فلسطين من خلال إبداء العجز عن نُصرة شعبها. حتى الإغاثة الإنسانية لم تستطع أن توفّرها للسوريين بالقدر المطلوب. وإذا فعلت، فمن خلال الذين يذبحون ويهدمون المُدن فوق ناسها ـ أزلام الأسد وبطانته. كان يُمكن منذ البداية، توفير ممرات آمنة للمدنيين الفارين من جهنم نار النظام وروسيا وإيران وحزب الله. كان يُمكن منذ البداية، إعلان مناطق حظر لطيران النظام وروسيا وإيران لتأمين ما يُمكن تأمينه من حياة معقولة للنازحين والمدنيين. لكنها لم تفعل بسبب من تقاعس ومن توازنات قوى غريبة لا يزال الشعب السوري يدفع ثمنها حياة ومدناً وموارد وحاضراً ومستقبلاً. ربما أن الفُرقاء من خارج سورية لم يتفقوا إلى الآن على صيغة تقاسم سورية أو مواردها أو مصالحهم فيها أو الجهات المكلّفة ببرامج إعادة إعمارها. أما الآن وقد بات العجز الدولي واضحاً في منع الكارثة الإنسانية في حلب وسورية عموماً، لم يبق سوى أمرين لا ثالث لهما. إما أن يتدخّل العالم لوقف إبادة حلب، أو أن يسلّح المعارضة العسكرية بما يلزمها من صواريخ متطورة ضد الطائرات وضد الدروع. لو فعل العالم هذا من قبل لانتصرت الثورة في سنتها الثانية أو الثالثة على الأكثر. لا أحد حتى الآن من مؤيدي الثورة أو خصومها وفّر لنا إجابة مُقنعة عن السؤال: لماذا لم يزودوا الثوار بصواريخ كهذه دفاعية في طبيعتها؟ لماذا تُرك الثوار في مواجهة ثلاثة جيوش منظمة ومدججة وميليشيا ومرتزقة بأسلحة شخصية ورشاشات متوسطة المدى وبما غنموه من جيش النظام وحلفائه؟ هذه هي فضيحة العالم تجاه الثورة وناسها وضحاياها. لا حاجة الى أن يكون الواحد منّا جنرالاً أو عارفاً متبحّراً في الاستراتيجيا العسكرية وميادين القتال ليُدرك أن الثوار في حلب، مثلاً - وغيرها من مواقع - كانوا سيتضررون أقلّ بكثير من القصف الجوي لحاضراتهم لو أنهم يمتلكون سلاحاً رادعاً ضد الطيران والدروع. ربما كانت لمؤيدي الثوار حساباتهم وأساساً محاذيرهم، بخاصة أن الولايات المتحدة فرضت حظراً على تسليح الثوار بالصواريخ المذكورة ومنعت أطرافاً أخرى من ذلك. ربما لأنهم لم يقدّروا حجم الدعم الإيراني والروسي أو لأنهم أرادوا إبقاء الثورة على نار هادئة كورقة ضغط على النظام وإجباره على التفاوض ودخول مسار التسوية السياسية للأزمة. ربما كل شيء، لكن الواضح أننا في شأن تحوّل أكبر كارثة إنسانية بعد الحرب الكونية الثانية، وفق تعريف الأمم المتحدة، إلى أكبر حالة إبادة جماعية بعد فظائع النازية، علماً أن في حلب مليوني إنسان مهددون بالإبادة ولا تسمية أخرى لذلك! هذا كخاتمة لمشروع تطهير عرقي وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في مواقع أخرى كداريا مثلاً. وما دام العالم عاجزاً عن منعها، فليمنح أهل حلب حق الدفاع عن أنفسهم بأسلحة نافعة - أعطوهم الصواريخ الدفاعية (من كل صنف يفتك بالطائرات والمدرعات) الآن وليس غداً أو اذهبوا إلى الجحيم مثلما سمحتم بذهاب حلب وأهلها!