يتشكل مثلث الشائعة من ثلاثة أطراف: الحاقد، والأحمق، والغبي، فالأول يُضمر عداوة، ويَحمل كراهية ونقمة وضغينة، والثاني قليل عقل طائش، أما الأخير فهو بليد ضعيف عقل وفطنة، ولا يتحقق النجاح للأول مُطلِق الشائعة الذي يتربع على رأس المثلث إلا بتوفر الآخرين الناقل والمصدق فهما اللذان يشكلان قاعدة المثلث، ويعتمد عليهما في انتشار الشائعة، وتحقيق أهدافها وإلا ماتت في مهدها. تُعَرَّفُ الشائعة في كثير من المصادر بأنها «الأقوال والأفعال التي يتناقلها الناس دون تثبت من صحتها»، ومن تعريفاتها «هي ما يروجه الناس من أخبار وحوادث لا أصل لها في الواقع من أجل إحراج خصومهم»، ويتردد بشأنها القول المشهور «الشائعة يؤلفها الحاقد، وينشرها الأحمق، ويصدقها الغبي» وهو قول يؤكده الواقع المشاهد. يتلقى مجتمعنا سيلًا جارفًا من الشائعات عبر وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد كتبت هذه التغريدة في الأسبوع الماضي «كم كبير من الشائعات في مواضيع شتى تم تداولها في أسبوع عبر (twitter)، لو تمت إحصاءات دقيقة عن تلك الشائعات لتصدرنا شعوب العالم في تصديقها ونشرها». مما يؤسف له أن بعض المغردين في تويتر قد نصب نفسه متحدثًا عن بعض الجهات الرسمية، يتحدث باسمها ويقدم بيانات وإحصاءات تَبين أنها لم تكن صحيحة جملة وتفصيلًا، ومن أمثلة ذلك قول أحدهم في تغريدة «تنبيه للجميع، تخلص من أي منتجات خضراوات أو فواكه مجمدة من مصر وصلت حتى الآن 15 حالة إصابة بمرض التهاب الكبد الوبائي A إلى المستشفى التخصصي»، إن من يقرأ تغريدته يظن أنه يباشر استقبال الحالات الموبوءة في المستشفى التخصصي، ويشرف على علاجها! علقت على التغريدة السابقة «هل صاحب هذه التغريدة @alsahal2 متحدث رسمي لوزارة الصحة @tfrabiah أو في هيئة الغذاء والدواء @Saudi_FDA»، وتعمدت وضع معرف معالي وزير الصحة، ومعرف هيئة الغذاء والدواء في التغريدة؛ ليدركا حجم الضرر الذي يشكله هذا المغرد وأمثاله على المجتمع! ألا يجب على أي من الجهتين المعنيتين أو كليهما تقديم دعوى ضد من أخذ دورهما؟ قرأت كثيرًا عن الشائعة في هذا الأسبوع، ومن جميل ما وجدته عرض تقديمي متقن بعنوان: «الشائعة»، أعدته الحملة الوطنية الشاملة لتعزيز القيم الوطنية التي كان شعارها: «وطننا أمانة»، وفيه أن الشائعة تستمد أهميتها بسبب ارتباطها بحياة الناس مباشرة، فيصدقها بعضهم أو يتمنونها، ولهذا يقومون بإشاعتها بينهم فورًا، وهي عادة تتحدث عن قضية معينة ومركزة بصياغة هادفة بين وسط يساعد على نشرها كالتقنيات الحديثة في زمن وتوقيت مناسبين. وعرَّج معدو العرض على أنواع الشائعة بشيء من التفصيل، فذكروا منها: إشاعة الخوف: بإثارة الرعب والقلق في نفوس البشر كحالات الأزمات والحروب بطمس الحقائق وقلب الوقائع. إشاعة الكراهية: التي تدعو إلى الفتنة في المجتمع كالصراعات المذهبية والمناطقية والقبلية فضلا عن التشكيك في نيات وذمم الآخرين. إشاعة الأمل: المليئة بالخيالات والأوهام التي تعبر عن الأماني والأحلام بهدف التأجيج والتأليب. الشائعة الوهمية: وعادة ما تكون دون قصد، بدافع التباهي لمحتوى سلبي أو إيجابي. وأضافوا أن الشائعة تحمل في طياتها كثيراً من الآثار على المجتمع ووحدة الصف في كل حالاتها، ومن تلك الآثار: القبول بالكذب والبهتان، وانعدام الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع، وإشاعة الفوضى، وعدم الاستقرار، وفقدان الهيبة والرهبة أمام الأعداء. وبيّنوا الكيفية الصحيحة في التعامل مع الشائعة من خلال: عدم قبول الأخبار والأقوال دون مصدر، وعدم إعادة نشر الشائعة وترديدها أو تكذيبها، وتفنيد الشائعة بموضوعية وصدق. للشيخ صالح المغامسي محاضرة على موقع «YouTube» بعنوان «كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّثَ بكل ما سمع» تستحق البحث والمشاهدة والتأمل؛ لما حوته من توجيهات شرعية وعقلية دقيقة، وما تضمنته من أمثلة رائعة في الطريقة الصحيحة للتعامل مع الخبر استماعًا ووعيًا ونقلًا، وأورد قول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). سورة الحجرات، وردد قول الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم «كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّثَ بكل ما سمع». وقفة: الذي يؤلفُ الشائعةَ لديه الدافع السيئ الذي يحركه إن كان فردًا ويمتلك القدرة على التأليف ويمتلك مهارات التخطيط، وبعض الشائعات يكون وراءها دول معادية لديها كثير من الإمكانات والوسائل لتحقيق أهدافها الخبيثة.