عمون- اتجهت مدرسة أميركية إلى استبدال العقوبات التقليدية للتلاميذ غير الملتزمين والمشاغبين والكسالى بحصص في التأمل. والفكرة ببساطة أنه بدلا من أن نجعل الأطفال يتعلمون من خلال الألم فهم يختبرون أنفسهم من جديد، بالنظر إلى دواخلهم ومحيطهم بحيث تتغير رؤيتهم للعالم من حولهم ولذواتهم. وتقول إدارة المدرسة الواقعة بمدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند الأميركية، إن النتائج كانت مذهلة بطريقة لا يمكن تصورها، وإن التلاميذ يعودون أكثر نشاطا وحيوية وقدرة على الاستيعاب، بحيث يصبحون أكثر هدوءا، وقد جاءت هذه النتائج بعد عامين من التجربة. وفي الأساليب الروتينية تلجأ المدرسة إلى عقوبات مثل وقوف التلميذ لبعض من الوقت في زاوية من الصف أو القيام بأعمال معينة يشعر معها التلميذ بأنه قد أخطأ. غرفة التأمل اللحظي أما في الطريقة الجديدة فإن هناك غرفة مطلية بألوان مهدئة للأعصاب، وبلا نوافذ، يجلس فيها التلميذ ليبدأ التأمل تحت إضاءة يتحكم فيها بدرجة معينة، وحيث تتم الاستعانة بمؤسسة متخصصة في اليوغا وعدد من الرياضات الروحية والبدنية، ليكون للطفل أن يتغير سلوكيا بدرجة ملموسة. وتسمى هذه الغرفة بـ غرفة التأمل اللحظي. كذلك مرات يكون على الطفل أن يتكلم مع نفسه حول مشكلته والعلاج الذي اقترحه المعلم، فمن شأن ذلك أن يغير من نمط التلقي في المخ ويعيد ترتيب الوعي. علوم التأمل والتربية النفسية في السنوات الأخيرة برز الاهتمام الأوسع بعلوم التأمل وأثرها في التربية النفسية، رغم أنها قائمة في ميراث الحضارة الإنسانية منذ عشرات القرون، إذ ترى الأديان أن المدخل للتغيير هو إعادة اكتشاف الروح وترتيبها، بمعنى آخر السيطرة على الدماغ بشكل أفضل وإيجابي. وتقترح بعض الدراسات الحديثة هذا النوع من العلاجات للجنود الذين شاركوا في الحروب، لكي يكون ممكنا إعادتهم إلى عواطفهم الطبيعية بعد نهاية الحرب. كذلك فهذه التمارين تحسن الذاكرة وتساعد في تقوية التركيز. وإذا كانت هذه العلوم في مهد التطوير لكي تصبح ذات سياقات معرفية واضحة، فإن العلم بشكل عام بدأ في بناء صورة حقيقية وممتعة حول كيفية تغيير التأمل لحياة الإنسان نحو الأفضل ومنذ الطفولة. ليس هذا فحسب بل صار التأمل علاجا نفسيا لأمراض مستعصية أحيانا، باعتبار أن الألم والمرض قد يكون مصدر التحكم فيه من نقاط معينة في مخ الإنسان، كما تذهب بعض العلوم الحديثة عن المخ والأعصاب. مؤسسة ترعى الحياة الشاملة يأتي برنامج العقاب بالتأمل عبر مساهمة مؤسسة هوليستك للحياة الشاملة، المعنية بتطوير أساليب الحياة، وهي عمل غير ربحي يدير مجموعة من البرامج من هذا النوع منذ أكثر من 10 سنوات وتقدم دروسا للناضجين في تطوير مهارات الحياة، وقد أدخلت هذا المجال الآن للأطفال من سن الروضة. ويقول كيرك فيليبس المنسق بهذه المؤسسة: في البداية اعتقدنا أن الأمر مع الصغار سيكون صعبا، لكنهم أثبتوا جدارة في التأمل بصمت.. وهم يفعلون ذلك الآن. وبخصوص تعليم التأمل للأطفال فهو يشرح أن تقديم الهدايا أو التشجيع عبر الإغراءات مهم جدا للأطفال، فالطفل قد لا يجلس من مرة واحدة ليفعل المطلوب، لهذا لابد من أن تصنع له دافعا قويا.. والهدية هنا مهمة. ولوحظ أن بعض الأطفال يحملون معهم هذه المهارات إلى البيت، فقد ذكرت مجلة أوبرا في عدد أغسطس الماضي أن إحدى التلميذات قالت لوالدتها في البيت: تعالي لكي أعلمك التأمل، أجلسي على الأرض وتنفسي جيدا، ومن ثم شرعت في تدريبها. مفاهيم إيجابية حول البيئة هذا البرنامج يعمل أيضا على أن يكسب معلم الصف التلاميذ مفاهيم إيجابية حول البيئة من حولهم، إذ تعني ما تعني من أمور كثيرة، وكيف يتفاعل الطفل معها ويولد من خلالها طاقة الإبداع والنمو الإيجابي. وهنا المقصود مهارات مثل: النظافة وزراعة الحدائق وزيارات الأماكن الطبيعية المحيطة، وبعد فترة يتحول الأطفال أنفسهم لمساعدي تدريس للأصغر سنا، بحيث يدربونهم على التأمل والفاعلية. وفي مدرسة روبرت دبليو كولمان الابتدائية حيث طبق المشروع للصغار، فإن النتائج كانت طيبة، والأطفال باتوا أكثر اهتماما بالدروس وتدنت معدلات الغياب عن الحصص. وكل ما قيل ليس إلا صورة مصغرة لعالم لا يمكن فهمه إلا بزيارته ومعرفته عن قرب.