بعد حوالي عام ونصف من الحرب في اليمن، لجأ البنك المركزي الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي بالعاصمة صنعاء إلى صرف رواتب الموظفين الحكوميين بنقود تالفة، ما تسبب بموجة انتقادات كبيرة في صفوف المواطنين، بل تحول الأمر إلى قضية رأي عام لدى الشارع اليمني. ونفذ الحوثيون هذا الإجراء بصرف النقود التالفة، بسبب العجز المالي الكبير الذي يشهده البنك المركزي اليمني، وانعدام السيولة جراء الوضع الاقتصادي السيئ الذي خلفته الحرب في هذا البلد المصنف من بين أفقر دول العالم. وأثار تصرف البنك المركزي غضب العديد من الموظفين الحكوميين، الذين تسلموا نقودا تالفة من فئتي 100 ريال و250 ريال، بعد أن كانوا يتقاضون في الأشهر الماضية نقودا من فئة 1000 ريال أو 500 ريال. ويأتي هذا في الوقت الذي واصل الريال اليمني فيه انهياره أمام العملات الأجنبية، بعد أن وصل سعر صرف الدولار الأميركي الواحد إلى أكثر من 300 ريال في السوق السوداء و250 ريالا في السوق الرسمية، بعد أن كان يوازي صرفه قبل الحرب 215 ريالا فقط للدولار. ويواجه اليمنيون صعوبة في صرف النقود التالفة في المحلات التجارية، التي ترفض العديد منها قبولها نتيجة ترديها وتهالكها، فيما سخر ناشطون من هذه النقود، ونشروا لهم صورا في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت للتعبير عن سخريتهم ورفضهم لإجراء البنك المركزي، فيما ذهب آخرون إلى غسل هذه النقود بالماء ومن ثم تجفيفها كمحاولة منهم لتحسين مظهرها التالف. ويقول هادي الأحمدي «موظف حكومي» لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): إنه تقاضى راتبه قبل يومين من عيد الأضحى من أحد مكاتب البريد بصنعاء بعملة تالفة، مشيرا إلى أن استلام راتبه جاء بعد جهد كبير استمر لأيام، بسبب تزاحم الموظفين في طوابير لاستلام رواتبهم على مكاتب البريد. وأضاف أن «راتبه الذي يقدر بحوالي 33 ألف ريال يمني» حوالي 110 دولارات أميركي «لم يعد يفي بمتطلبات الحياة الضرورية، في ظل ارتفاع الأسعار جراء الوضع الاقتصادي المتدهور». وبين أن العديد من الموظفين بدوا ساخطين من تسليمهم رواتبهم بنقود تالفة وبشكل متأخر، غير أنه أشار إلى أن تسلمهم راوتبهم بتلك النقود خير من أن يعيشوا دون رواتب، بسبب أزمة السيولة التي تعيشها اليمن، حسب قوله. من جهته يقول محمد سعيد، الذي يعمل جنديا في مؤسسة الجيش منذ حوالي عشر سنوات: إنه وزملاءه لم يتسلموا رواتبهم لشهر أغسطس الماضي، من قبل السلطات في العاصمة صنعاء. وأضاف لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): إن المعلومات التي وصلتهم تفيد بأن الجيش الذي يقاتل في الجبهات ومسلحي الحوثي المقاتلين هم فقط من تسلموا رواتبهم، مشيرا إلى أنه تم استثناء من لم يقاتلوا في الجبهات. وبيّن أن «عدم تسلم العديد من الجنود لرواتبهم أثار حالة من السخط على الحوثيين، الذين تجاهلوهم وقاموا بالاهتمام فقط بمن يقاتلون معهم في الجبهات». وإلى جانب عدم تسليم الرواتب لأعداد كبيرة من أفراد الجيش، ثمة من رفضوا استلام رواتبهم من مكاتب البريد بسبب العملة التالفة التي تم دفعها لهم، كما تقول الشابة اليمنية غادة علي، التي أوضحت أن والدها وعدد من زملائه رفضوا استلام رواتبهم لتلف العملة المسلمة لهم. وأضافت لـ(د.ب.أ): إن هناك سخطا كبيرا من العديد من الموظفين الذين رفضوا استلام رواتبهم بالنقود التالفة، في حين قرر آخرون استلامها بسبب أوضاعهم المعيشية السيئة. ويعزو خبراء اقتصاديون قيام البنك المركزي بتسليم الرواتب بعملة تالفة إلى أزمة السيولة الكبيرة التي تعاني منها اليمن، فضلا عن اختفاء كميات كبيرة من العملة الوطنية في السوق المصرفي، واحتفاظ الناس بالنقود في منازلهم، بالتوازي مع حالة الهلع من انهيار البنك المركزي ومؤسسات الدولة جراء الوضع الراهن. وعلى هذا الصعيد يقول مصطفى نصر الخبير الاقتصادي اليمني: إن «تسليم عملة تالفة وصرفها للموظفين الحكوميين من قبل البنك المركزي اليمني بصنعاء الخاضع لسلطة الحوثيين، يعد إحدى مؤشرات أزمة السيولة التي وصل إليها البنك، والاقتصاد اليمني ككل». وأضاف نصر وهو أيضا رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي غير الحكومي في حديثه لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): «اختفت كمية كبيرة من العملة المحلية لظروف بعضها غامضة، وأخرى اقتصادية بحتة، بالإضافة إلى عدم الثقة بالجانب المصرفي في البلاد، وحالة الهلع من انهيار البنك المركزي وكل مؤسسات الدولة، وهو ما جعل الناس تحتفظ بالنقود خارج الجهاز المصرفي». وتابع نصر: «لم يعد متاحا أمام البنك المركزي بصنعاء الكثير ليقوم به باعتراف محافظه محمد بن همام، الذي أشار بشكل واضح بأنه لم يتبق سوى طباعة عملة محلية مع مخاطر هذه الخطوة، أو دعم مباشر عبر المؤسسات المالية الدولية، أو من دول مختلفة».;