×
محافظة المنطقة الشرقية

البيت الأبيض: إسقاط مجلس الشيوخ فيتو أوباما على مشروع “جاستا” هو الأكثر حرجًا منذ سنوات

صورة الخبر

تشكل اللغة بشكل عام رمزاً لهوية كل إنسان ومعلماً من معالم حضارته، ووسيلة للتواصل مع الآخر؛ لذلك يتمسك أبناء كل بلد بلغتهم الأم، ويتناقلون تعليمها لأبنائهم من بعدهم، اختفت الكثير من اللغات عبر التاريخ ولكن صمد القسم الأكبر منها، وخصوصاً ذلك المرتبط بالقدسية الدينية، كاللغة العربية، فهي لغة القرآن في الديانة الإسلامية، وشرط أساسي للصلاة، وكذلك لغة بعض الشعائر المسيحية لدى الكنائس في الوطن العربي، وعلى الرغم من ذلك ظهرت الكثير من الحملات والمقالات والبرامج التلفزيونية التي تنذر بخطر زوال اللغة العربية الفصحى وربما انقراضها. أذكر أن أول برنامج تلفزيوني شاهدته عن نفس الموضوع كان في عام 2008، وما زال حتى اليوم يعرض الكثير من البرامج التي تتحدث عن الخوف من زوالها، ولكنني أرى وأصرّ على أن اللغة العربية أقوى وأكثر تماسكاً وحضوراً من أي لغة أخرى، وأرى أن هذه الحملات المتتابعة ما هي إلا جعجعة من دون فائدة، إذ إن اللغة العربية تفرض حضورها كل يوم أكثر من ذي قبل. فمنذ فترة قريبة مثلاً تم إقرار إدراج اللغة العربية بشكل رسمي في فرنسا ضمن مناهجها ابتداء من الموسم الدراسي لعام 2017 كلغة اختيارية ثانية، وقد انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع عن تعلمها من قبل الشعوب الأجنبية عقب موجة اللجوء إليها، أيضاً وزارة التربية الكورية اختارت اللغة العربية لغة أجنبية ثانية رسمية وتعتبر من بين المواد التي تدخل في امتحان القبول في جامعاتهم. تعد اللغة العربية أساساً اللغة الرسمية في الوطن العربي، وإحدى اللغات الرسمية الست في منظمة الأمم المتحدة، ويتم الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في يوم 18 يناير/كانون الثاني من كل عام لإحياء ذكرى اعتمادها بين لغات العمل في الأمم المتحدة، وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول عام 2013 قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية "أرابيا" التابعة لليونيسكو، اعتماد اليوم العالمي للغة العربية كأحد العناصر الأساسية في برنامج عملها لكل سنة. اللغة العربية تعاني فقط من الإهمال وعدم التقدير من أبنائها؛ حيث تم استبدالها باللغة الأجنبية في عدد من المؤسسات الاقتصادية والتجارية والسياحية والإعلامية، وتفضيل متكلم اللغات الأجنبية على متكلم اللغة العربية، كما تفتقر أغلب المدارس للوسائل والأساليب المشجّعة على تعلمها، أي أن الخطورة لن تقع على اللغة العربية نفسها، وإنما على ناطقيها الذين تخلوا عنها واستبدلوها بلغات أخرى، هم من سيعانون إنكار تاريخ حضارتهم ومستقبلهم، وهذا يتمثل في عدة صور منها: لا توجد مراجع تعليمية كافية في الدول العربية لتعليم اللغة العربية للأجانب، وعادة تعتبر المراجع من أساسيات نشر أي لغة، الامتناع عن تطوير طرق جديدة لتعلم اللغة العربية من الأسباب التي دفعت الأطفال إلى النفور منها في لبنان مثلاً، كما أن أطفال العرب في الغرب لا يعلمون أي شيء عن تراث اللغة العربية والخط العربي الذي يعتبر أحد أهم فنون الرسم العربية، إذ إن الخطوط العربية تتعدى المائة، أشهرها الرقعة والكوفي والنسخ والديواني، وإتقان كتابتها أو رسمها يستغرق سنين طويلة، كما لا يعلمون أن أغلب اللغات الأجنبية اقتبست الكثير من كلماتها من اللغة العربية، ونجدهم أكثر بعداً عنها وأشد إصراراً على رفض تعلمها أو التقدم بأي من مراحل صفوفها، فلا أحد يحبها هناك، وإن تعلم التكلم باللهجة المحلية لذويه، وعند سؤالهم عن السبب يجيبون بأن اللغة العربية صعبة وتحتاج لدراسة مكثفة للقواعد غير المفهومة بالنسبة لهم. طبعاً عند النظر من قرب إلى كل اللغات، فهي تشترك جميعها بكونها صعبة التعلم، وتحتاج وقتاً كبيراً لحفظ قواعدها والتكلم بشكل صحيح بها، والتعبير بشكل سليم عما يدور بالبال. تم استبدال اللغة العربية الفصحى في مختلف الدول العربية باللهجات المحلية التي تعبر عن كل منطقة وبلدة، وتتسم بسهولتها والقدرة على نطقها، حيث تم ضخها ضمن برامج القنوات الفضائية والأرضية لبعض الدول العربية، واعتمادها في دبلجة المسلسلات الأجنبية وبعض رسوم الأطفال المتحركة، وضمن وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبر مستخدم الفصحى شاذاً عن القاعدة، على الرغم من بقاء الفصحى في قسم كبير من الأدب المكتوب وبعض الفنون المسرحية والصحافة. في بعض الدول العربية كلبنان والإمارات على سبيل المثال، يتم استخدام اللغة الأجنبية في نشر الإعلانات، وعلى اللوحات الجدارية واللافتات الخاصة بالمحلات، واستخدام التسمية الأجنبية كعلامة تجارية عوضاً عن الأسماء العربية. وأخيرا: إهمال الرقابة والتدقيق اللغوي في أغلب الوسائل الإعلامية الناشئة حديثاً، والتي تعمل على نشر الكثير من الكلمات المتداخلة بين اللهجات العامية واللغات الأجنبية، وبالتالي التخلي عن المفردات الصحيحة للغة الأم، وخصوصاً في فترة ثورات الربيع العربي، فبات التركيز على المواضيع المطروحة دون الاهتمام بكيفية الطرح أو جودة اللغة المتكلم بها أو صحة مفرداتها. لا شك أن هناك علاقة وثيقة وارتباطاً كبيراً بين اللغة العربية وبين السياسات المتبعة في بعض البلدان العربية، وما رسخته من ظلم وممارسات دفعت نسبة لا بأس بها من أبناء هذه البلاد لتجنب التكلم بها في الخارج وتمثيل اللاانتماء ومنع أطفالهم من تعلمها كردة فعل عما تعرضوا له. أحد مظاهر الخطورة على ناطقي اللغة العربية يتمثل الآن بالجيل الجديد اللاجئ لعدة دول أوروبية، وخصوصاً من ذوي الفئات العمرية الصغيرة جداً والتي تحتاج إلى تكلم لغة أو اثنتين في البلد الجديد، ومعاناته للصمود في تكلم اللغة العربية والابتعاد عنها أخيراً لتجنب الضياع بين اللغات المتعددة، وهنا لن يكون مصيرها إلا الاندثار، وطبعاً لا أتكلم عن اللهجات المحلية، وإنما عن اللغة العربية الفصحى. كما أن الأغلبية الكبرى من اللاجئين كان توجههم إلى دول أوروبية وأجنبية، مما دفعهم للتمسك بتعلم اللغة الأجنبية، وشعورهم بعدم جدوى اللغة العربية في أماكن توجهاتهم. إذاً فمعالجة هذا الإهمال تكمن في خلق وسائل تعليمية جديدة في جميع المدارس كخطوة أولى، وتشجيع الاختصاصيين والكتّاب على نشر تاريخ اللغة العربية وثقافتها، وإنشاء المراجع الغنية بالمصادر والمعلومات، وحث أصحاب المؤسسات التعليمية على تأسيس منصات إبداعية وندوات فكرية تكرس الاعتزاز باللغة العربية الفصحى والحفاظ عليها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.