عرض/محمود الفطافطة يعالج كتاب "اليهود العرب.. قراءة ما بعد كولونيالية في القومية والديانة والإثنية" قضية لم تأخذ حقها من البحث والنقاش، وهي وضع اليهود العرب ضمن السياق الأعم للشرق الأوسط من خلال توظيف إطار ما بعد كولونيالي، وهذا ما دفع ببعض النقاد لوصف هذا الكتاب بأنه "طليعي" فيما يختص بدراسة جوهر كينونة اليهود الذين يسمون وفق القاموس الصهيوني بـ (الشرقيين)، ويعتبرهم الكاتب يهودا عربا. ويكشف الكتاب -عبر المراسلات والوثائق- أن الصهاينة العلمانيين سعوا لتعزيز البعد الديني بين اليهود العرب من أجل "تطهيرهم" من عروبتهم، ما أسس لنتائج عكسية في فترة الدولة، إذ أدت المحاولات الرامية إلى بناء هوية إسرائيلية لليهود العرب من خلال قمع هويتهم العربية، إلى التمسك أكثر فأكثر بهذه الهوية، وإلى تحديد مسألة التمييز الطائفي في إسرائيل التي تحيل بدورها إلى بذور التناقض في الصهيونية فكرا وممارسة. ويعتبر الكتاب على درجة كبيرة من الأهمية؛ لما يمثله من خوض في السيرة الذاتية لليهود العرب وجوانب حاولت الحركة الصهيونية طمسها فيما يتصل بالشق العروبي لليهود. وقدم شهرباني نقاشا لمفهوم اليهود العرب، وما يعتريه من التباسات، وما يحمله من تناقضات، واضعا إياه في سياقه التاريخي ابتداء من الحقبة العثمانية، مرورا بأحداث البراق والخليل ويافا أواخر العشرينيات، وصولا إلى ما بعد قيام إسرائيل. -العنوان: اليهود العرب.. قراءة ما بعد كولونيالية في القومية والديانة والإثنية -المؤلف: يهودا شنهاف شهرباني -الناشر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" - رام الله -عدد الصفحات: 372 -الطبعة: الأولى، 2016 يتكون الكتاب من تقديم، ومقدمة، وخمسة فصول، وخاتمة. يتناول التقديم الذي كتبه الباحث في مركز "مدار" أنطوان شلحت قراءة تحليلية ونقدية للنص، إذ يشير إلى أن المؤلف لجأ إلى الفكر ما بعد الحداثي لكي يقوض الرواية التأريخية الصهيونية الرسمية من خلال قصة اليهود العرب، ولكي يرفض "الحقيقة" التاريخية المزعومة المتمثلة بـ"الأمة اليهودية". ويؤكد أن الكتاب يشتمل على مضامين نقدية للمشروع الصهيوني مهمة، وتعبر عن تيار يستحق التشجيع الأمر الذي لا يعني عدم وجود انتقادات وتساؤلات حول مضامين أطروحات هذا التيار. التاريخ يبدأ من البيت! جاءت المقدمة بعنوان: "التاريخ يبدأ من البيت"، وفيها يتناول المؤلف اللقاء المعقد الذي ساده الصراع وعمه التضارب والتناقض بين اليهود الذين ينحدرون في أصولهم من الدول العربية والقومية الصهيونية والدولة اليهودية. ويشدد على ضرورة وضع السياق الكولونيالي المكبوت في صلب هذا النقاش. وعلى الرغم من الاختلافات القائمة بين التجارب الكولونيالية التي خاضها اليهود في العراق واليهود في شمال أفريقيا فإن السياق الكولونيالي هو الموضع الذي يجب أن يبدأ منه أي نقاش يتناول اليهود العرب. وحسبما تراه النظرية ما بعد الكولونيالية، فما تزال بقايا المنطق الكولونيالي بشأن اليهود العرب متأصلا في الثقافة والسياسية الإسرائيلية حتى هذا اليوم. ويشير الكتاب إلى أن اليهود العرب عجزوا عن صياغة تعريف ذاتي متسق لهويتهم القومية، إذ لا ينظر إلى هذه الهوية على أنها ذات طابع إثني بسبب الانقسام الداخلي الذي وسم الخطاب الذي كانوا يعملون في نطاقه. يستعرض المؤلف في الفصل الأول قضية" اكتشاف اليهود العرب"، إذ يبين أن اليهود العرب وصلوا إلى إسرائيل بموجب مبادرة أطلقتها دولة إسرائيل والمنظمات اليهودية، وكان بعضهم يعيش في راحة وأمان في الأراضي العربية، وكان آخرون منهم يعانون من الخوف والاضطهاد. ويوضح أن تاريخ اليهود العرب وهجرتهم إلى إسرائيل يتسم بالتعقيد، ولا يمكن استيعابه في تفسير سطحي ضحل. النظرية والنزعة ويركز المؤلف في هذا الإطار على فكر وممارسة المنظمة العالمية لليهود من البلاد العربية التي نشأت في العام 1975. ويرى أن إنجاز المنظمة الأبرز يتمثل في أنها صاغت ثلاث نظريات سياسية كبيرة من حيث كونها عظيمة الأهمية بالنسبة لإسرائيل وأيديولوجيتها الصهيونية، أولها النظرية التي ادعت بأقدمية الكيان اليهودي، قومية ودينا، في الشرق الأوسط، فيما أكدت النظرية الثانية أن تبادلا سكانيا بين لاجئين عرب ولاجئين يهود في الشرق الأوسط قد حدث فعلا، ويمكن الاستفادة منه في أي وقت. وبخصوص النظرية الثالثة، فأقرت بأنه في إثر تبادل السكان المذكور يمكن تبني الادعاء، في الوقت الراهن، بشأن الموازنة (أو التعويض) في الأملاك بين اللاجئين العرب واليهود. " يعتبر هذا الكتاب على درجة كبيرة من الأهمية؛ لما يمثله من خوض في السيرة الذاتية لليهود العرب وجوانب حاولت الحركة الصهيونية طمسها فيما يتصل بالشق العروبي لليهود. وقدم مؤلفه نقاشا لمفهوم اليهود العرب، وما يعتريه من التباسات، وما يحمله من تناقضات، واضعا إياه في سياقه التاريخي " وفي الفصل الثاني الموسوم بعنوان: "الكولونيالية، والنزعة المركزية الأوروبية والاستشراق اليهودي"، أشير إلى أن المنظور ما بعد الكولونيالي -الذي كانت غالبية الباحثين الإسرائيليين تنكره حتى وقت متأخر- يملك القدرة على تقديم إطار مفيد لدراسة العلاقات القائمة بين اليهود الأوروبيين وغير الأوربيين باعتبارها علاقات "معرقنة" و"مشرقنة". وفي هذا الشأن، يستعرض شهرباني نظرية أقدمية الكيان اليهودي التي تجعل اليهود العرب مختلفين مع الأيديولوجيا الصهيونية في ثلاثة مواضيع أساسية، هي: النظرة إلى الاقليم، والموقف من التاريخ، ومن الهوية. وتحت سؤال: كيف أصبح اليهود العرب متدينين وصهيونيين؟ جاء عنوان الفصل الثالث، إذ يذكر الكاتب أن اللقاء بين الصهيونية واليهود العرب تميز منذ بدايته بتداخل المنطقين القومي والكولونيالي فيه. ومن أجل شمل اليهود العرب في "المشروع القومي" كان على هؤلاء المرور في مسار لإلغاء عروبتهم، أو حسب تسمية المؤلف كان عليهم التعرض لعملية "تطهير اليهودي العربي من عروبته". ورغم أن هذا الإلغاء أو التطهير جرى تبريره، من طرف الصهاينة أنفسهم، بأحاديث عن العصرنة والتقدم فإن الذي هدد القومية الصهيونية لم يكن "تخلف" أو "تقاليد" اليهود العرب، وإنما عروبتهم المشدد عليها من قبلهم هم أنفسهم. فالماضي العربي ليهود الشرق هدد بأن يمس وحدة صف "الأمة الإسرائيلية" المتجانسة ظاهريا. وفي هذا الشأن، ردد أول رئيس وزراء لإسرائيل دافيد بن غوريون المقولة التالية: " نحن لا نريد بأن يكون الإسرائيليون عربا. يتوجب علينا أن نكافح روح المشرق الذي يخرب أفرادا وجماعات". التناقض والذاكرة يركز الكاتب في الفصل الرابع من الكتاب (القواسم المشتركة بين اليهود العرب والفلسطينيين) على قضية تبادل السكان، إذ يوضح أنه في الوقت الذي أعدت فيه إسرائيل نظرية واضحة لتبادل الممتلكات التي تعود لليهود من البلاد العربية واللاجئين الفلسطينيين، كان موقفها المتصل بتبني نظرية تبادل السكان ملفوفا بالغموض. ومن المؤكد أن المسألة السكانية بما فيها "الحاجة" إلى تحقيق الأغلبية اليهودية في إسرائيل، كانت تحتل رأس سلم الأولويات في الدولة قيد البناء. الفصل الخامس جاء بعنوان "اليهود العرب والذاكرة التاريخية الصهيونية"، وفيه يشير المؤلف إلى أن الخطاب العام والخطاب الأكاديمي ينظران إلى" الشرخ الإثني" باعتباره ظاهرة يهودية داخلية لا علاقة لها بالصراع القومي الدائر بين اليهود والفلسطينيين، إذ ينظر إلى الأمة اليهودية على أنها أمة موحدة تميزها وحدة متراصة. " كيف أصبح اليهود العرب متدينين وصهيونيين؟ يذكر الكاتب أن اللقاء بين الصهيونية واليهود العرب تميز منذ بدايته بتداخل المنطقين القومي والكولونيالي فيه. ومن أجل شمل اليهود العرب في "المشروع القومي" كان على هؤلاء المرور فيمسار لإلغاء عروبتهم، أو التعرض لعملية "تطهير اليهودي العربي من عروبته" " وفي هذا الفصل ركز المؤلف حديثه عن النظريات السياسية الثلاث التي صاغتها المنظمة العالمية لليهود من البلاد العربية -أشير إليها سالفا- إذ يذكر أن هذه النظريات أخذت مفعولا مضاعفا في أعقاب اتفاق السلام مع مصر وبدء النقاش حول اللاجئين الفلسطينيين. فعلى أساسها، أنه في مقدرة دولة إسرائيل أن تدعي -من جهة- الحقوق الشرعية لليهود في أرض إسرائيل (أقدمية الكيان اليهودي) وأن ترفض -من جهة أخرى- المطلب الفلسطيني بحق العودة (تبادل السكان تم حقا)، وكذلك أن ترفض -من جهة ثالثة- المطلب بالتعويض عن الأملاك الفلسطينية التي صادرها القيم العام لدولة إسرائيل (موازنة الأملاك). وعلى هذا الأساس، فإن عضو المنظمة جاك برانس، وازى من حيث الأهمية بين تأسيس منظمته وبين نشاط منظمة التحرير الفلسطينية، بقوله: "نحن الجواب الوحيد (في إسرائيل) على حق العودة.. من أجل ذلك نحن موجودون". صراع الاستيعاب وفي خاتمة الكتاب التي استعاض عنها المؤلف بعنوان "ما بعد الصهيونية"، جاء أن الدراسات التي تتناول المجتمع الإسرائيلي تطرقت إلى استيعاب اليهود العرب في إسرائيل ولقائهم مع الدولة وتعبئتهم وحشدهم من خلال السياسة، وأشكال احتجاجاتهم وحراكهم أو جمودهم ومكانهم ضمن منظومة التقسيم الطبقي والأنظمة السياسية الإسرائيلية. ويتعرض المؤلف بشكل نقدي للنظرية المعرفية الصهيونية التي رأت أن حياة اليهود العرب في الدول العربية تعتبر شاذة وغير سوية، وأن هجرتهم إلى إسرائيل كما لو كانت هي الحل المحتوم لهذا الشذوذ. ويوضح أن اليهود العرب يملكون وضعا حديا وهجينا ومتحولا في إطار النظريات المعرفية القومية والكولونيالية التي تخيلت الصهيونية نفسها ضمنها. فمن جانب، كان ينظر إلى هؤلاء اليهود في الخطاب الصهيوني بوصفهم عنصرا أصيلا من المجتمع القومي، وبوصفهم تعبيرا عن أسسه البدائية "الأولانية". وبهذا، فإن الكتاب يعبر عن تيار ثوري في نقد الصهيونية، ويقدم قراءة مختلفة لتجربة اليهود العرب وموقعهم من المشروع الصهيوني وعلاقتهم معه، وإن كان هذا التيار صغيرا بالمعنى السياسي، فهو مهم بالمعنى الثقافي والمعرفي.