محمد عبدالله البريكي تظل الثقافة عاملاً جوهرياً في طبيعة الإنسان يتزود من رحيقها العذب ليمتلئ روحانياً ووجدانياً، ومهما كانت مكونات الثقافة في إطارها الكلي فهي تشبع الإنسان وتنضج عقله، وتحفزه على التفاعل الحي مع المجتمع وما يحيط به من مشكلات، وفي هذا العصر الذي تتنوع فيه ثقافة الفرد بحكم التطور اللاحق الذي غير منظومة القيم الإنسانية فإن دور المثقف والأديب والشاعر والمبدع بوجه عام يتعاظم لكون الكلمة أمانة، والكتابة تغير من واقع المجتمعات، وتحرض على السلوكيات الإيجابية، وتحلل المشكلات وتضع الحلول، وتقف حائطاً صلباً ليصد غوغائية المتنطعين وأصحاب الفتن في هذا العصر الذي اضطربت فيه أحوال العباد، وتغيرت الخرائط السياسية وأصبحت لعبة الإرهاب طعما يصيد طمأنينة الإنسان وأمنه في كل مكان. الغريب أن دور الكثير من المثقفين انحسر في قضايا أدبية معقدة، في حين أن الوقت يجري والزمن يتغير، ومن المفترض أن يواجه المثقف الفكر بالفكر، فتستنفر الأقلام ليتعايش القارئ العربي مع الكلمة المؤثرة، وهي تحلل وترصد وترفض خزعبلات الجماعات الإرهابية وهي تزيف الدين وما أنزل الله به من سلطان، وتحرف المقدس لخدمة مصالحها الشخصية، فأصبح عالمنا العربي تحديداً يعوم على ماء ملغم، وتحوم في أرجائه شياطين ليلية ماكرة في الوقت الذي نتحدث فيه عن الجيل الجديد، وأهمية طرحه في عالم خال من الإرهاب الفكري والتشرذم الذي تنتهجه طيور الظلام. الكاتب العربي أمام مسؤولية كبيرة، فهو يمتلك أدواته الرادعة، ويمتلك القلم الذي يرسم حروف الكلمة، والكلمة تطير بأجنحة لتنشر عطر السلام على ربوع الأرض. إن حال الضياع التي يعيشها الفرد في كثير من دول العالم بسبب الافتقاد للأمن، جعلته لا يفرق بين النخلة والقنبلة، بين الماء ومحلول كبريتات الصوديوم، وبين السماء والأرض، فمن يساند هذا الإنسان الذي كان ينعم بالحرية ويعيش بين أقرانه في محيطه مكتسياً بالفرح ومنتشيا بالألفة؟. لو نظرنا للخريطة العربية لوجدناها ممزقة مئة ألف قطعة، ولا يمكن تتبع مساراتها ووديانها وأنهارها وبحارها وحدود البلدان ومواقع تعامد الشمس وظهور الجفاف، هذه الخريطة التي يجب أن ينبري كل مثقف وأديب للذود عنها، والكتابة عما أصابها من ضياع وتشتت، وما يحزن حقاً أن الكتابة في هذه الأيام عن أوجاع أمة فتتها الإرهاب وتسربت إليها خفافيش ظلام من كل مكان لتنزع عنها الأمان، وتستنزف مواردها الطبيعية والإنسانية والمادية، أصبحت لا طعم لها، فهي أشبه بقرع طبول في غابة عمياء، وعزف على وتر مقطوع، وهستيريا تشبه رقصة الغجريات في البوادي. لقد كان أحرى أن تكون الكلمة في فم المثقفين والكتاب والمبدعين، قنديل فرح، وسماء أخرى، لتكن الكلمة هي الناقوس الذي يدق في وجه الإرهاب، والشموع التي تحرق أصحاب الفكر الشاذ، فما ذنب السنبلة حين لا تجد الهواء الطبيعي الذي يهزها طرباً، وما ذنب الأرض التي ولدت أبناءها أن تحترق بجرائم فلذات أكبادها؟ ولماذا الكلمة لا تبني وتعمر بدل أن تهدم وتدمر حتى لا تنتشر جرائم الفكر، وتلوث عقول أبنائنا، فالكلمة مصل ومضاد حيوي طبيعي، إن خرج من ماء عذب وقلب مشرق. إن كانت بعض الدول تبني جداراً عازلاً لحماية أراضيها، فلماذا لا يبني الكتاب من خلال أعمدتهم والشعراء عبر قصائدهم والمثقفين عبر إطلالاتهم جداراً عازلاً ليحمي العقل البشري من هذا العفن الفكري، الذي يتجول في شوارع المدن العربية على هيئة بشر لهم وجوه طبيعية، لكن قلوبهم منكرة، لقد سئمنا هذه المؤامرات المفضوحة على أمتنا العربية، وأنا كواحد من الكتاب ما زلت أعول كثيراً على الكلمة، لعلها تغير وتجدد وتمنح الوجود شكلاً جديداً. hala_2223@hotmail.com