في كل عام في الأول من برج الميزان الموافق للثالث والعشرين من شهر سبتمبر يوافق هذا التاريخ ذكرى عزيزة على قلوبنا نحن شعب المملكة العربية السعودية.. ففي هذا اليوم لُمَّ الشمل واكتملت الوحدة، فكان الانسجام والوئام تحت راية واحدة «راية التوحيد»، فبعد أن كانت هذه البلاد ممزقة تحت ألوية كثيرة جاءها بطل الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز «طيب الله ثراه» موحد هذا الكيان، فصارت تحت راية واحدة. هذا الرجل الذي نال هذا الشرف الرفيع من شعبه لما بذله من جهود لتوحيد هذه البلاد؛ حيث استتب الأمن وعم الرخاء وساد السلام ربوع هذه البلاد المباركة بفضل من الله. وفي أثناء توحيد هذه البلاد كان العالم يعيش تكتلات سياسية وعسكرية، وكان على رأس هذه الأزمات السياسية والعسكرية الحربان العالميتان «الأولى والثانية» اللتان ما من بلد في هذا النسق الدولي إلا وقد اكتوى بنارهما.. إلا أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- نأى ببلادنا عن تبعات هذه الأزمات.. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ذهب الملك عبدالعزيز يقيم العلاقات بين الدول على أسس متينة كان عمادها حسن الجوار والصداقة المتينة والمصالح المشتركة؛ حتى أصبح للمملكة العربية السعودية صوت يسمع على منابر المحافل الدولية. ثم انتقل هذا المؤسس إلى جوار ربه بعد أن أرسى قواعد الحكم واختار لوطنه الدستور الذي فيه صلاح الدنيا والآخرة.. إنه كتاب الله. ثم تسلم الراية من بعده أبناؤه البررة فنهجوا نهج المؤسس خطوة بخطوة، حيث تعاقب على عرش هذه البلاد عدة ملوك كلهم نهضوا بهذه البلاد في جميع مناشط الحياة المختلفة، إلى أن آلت دفة الحكم إلى سيدي ومولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «حفظه الله تعالى» فنهض بهذه البلاد نهضة نالت بها القدح المُعلَّى في ميادين الحضارة، يساعده في ذلك ولي عهده وولي ولي عهده حفظهما الله تعالى.. واليوم تشهد مملكتنا الحبيبة نهضة وثّابة على الرغم من الظروف العالمية. وإذا كنا اليوم نتذكر اليوم الوطني المجيد فإنه يتحتم علينا شكر المُنعم الذي أنعم علينا بهذه النعم المدرارة التي نتقلب فيها آناء الليل وأطراف النهار. فإذا كانت حالتنا كذلك فحريٌّ بنا أن نقدم الشكر الجزيل لما أفاء الله علينا من النعم، ثم الشكر موصول لحكومتنا الرشيدة ولولاة أمرنا أعزهم الله. ولكن الشكر الذي يجب أن نهل به ليس الشكر باللسان وحده بل شكر نابع من ساحات القلوب، فلن يدوم لنا هذا النعيم ما لم نشكر المنعم شكراً يليق بجلاله. وإذا كان الوطن اليوم وبالأمس قد أعطى فإنه لزاماً علينا أن نعطيه أكثر.. فلهذا الوطن علينا حقوق وواجبات. إنه يجب على الآباء والمعلمين والمربين وخطباء منابر الجمعة أن يُذكروا الناشئة بواجبهم تجاه وطنهم وولاة أمرهم. أيها السيدات والسادة إن اليوم الوطني يتجاوز في معناه مسيرة تجوب الشوارع، وغير ذلك من الممارسات، بل إن اليوم الوطني هو يوم نتذكر فيه النعمة ونتذكر ما نحن فيه من الأمن والأمان والوفرة والفيض، هذا الذي يجب أن نتذكره في هذا اليوم المجيد.. أيها السيدات والسادة إن حب الوطن واجب مقدس وضرورة دينية واجتماعية. إن اليوم الوطني ليس معناه أنه يوم نتذكره فنلهو فيه! بل هو يوم نتذكره فنتذكر جهود هؤلاء الرجال الذين ارتوت رمال هذه البلاد من دمائهم الزكية من أجل تحقيق وحدة هذه البلاد.. ناهيكم عن أن نتذكر في هذا اليوم سوابغ نعم الله علينا الظاهرة والباطنة التي عشنا تحت ظلالها بسبب ركعات وسجدات هؤلاء الأجداد الآباء الذين عرفوا أن النعمة تزداد بالشكر وتذهب بالكفران بها، لأن النعيم الذي بين أيدينا اليوم ليس بسبب جهودنا الذاتية بل بسبب طاعتنا لربنا والتزامنا بأوامره واجتناب نواهيه، ومتى ما تخلينا عن ذلك غادرتنا هذه النعم. إن ما أسطره هنا في هذا المقال ليس كلاماً إنشائيّاً بل هو واقع يجب علينا تصوره على الدوام. إن اليوم الوطني هو يوم اكتملت فيه النعمة وزالت الفرقة، فلزاماً علينا أن نعض على هذه المكتسبات بنواجذنا ما رف لنا جفن في هذه الحياة وإلا أصبحنا كالذي ينقض غزله من بعد قوة أنكاثاً.. إن اليوم الوطني ليس عبارة عن كلمات تلوكها الألسن فقط تذهب أدراج الرياح بل كلمات تنقش معانيها على صفحات القلوب. في اعتقادي الراسخ أن تحقيق الأثر الفاعل في ذكرى اليوم الوطني يبدأ من تصوير بلادنا للناشئة في الأيام السابقة يوم كان السلب والنهب ديدن الناس آنذاك، واليوم بعد أن ساد الأمن والأمان، حيث علينا أن نجعل الناشئة يدركون هذه المضامين وأن ما يعيشونه ليس محض عادة للزمن بل هو نتاج المخلصين الذين مضوا. إني أريد هنا أن أوجد تراكماً معرفيّاً لدى الناشئة بحال بلادنا في السابق وحالها اليوم.. ولن يتأتى ذلك إلا بتفعيل هذه الذكرى تفعيلاً دينيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً، وأن لا تتجسد معاني هذا اليوم في مسيرات غوغائية ترتفع فيها أبواق السيارات! بل الأمر أبعد من ذلك بكثير إنما هذا اليوم يوم تمام النعمة، والله يحفظ الجميع.