طوال سنوات مضت، ونحن نطالب بوقفة عربية أكثر جدية داخل الجامعة العربية، مع الذين يُروِّجون داخلها لأفكار وأطروحات تضرب في عمق الأمة العربية. فلما طال الانتظار والسكوت، جاءت أصوات من بغداد ومن بيروت لا تخجل من الإفصاح عن كرهها وعن رغبتها في تحويلها جثة كغيرها، وهشّة تمامًا كبيت العنكبوت! قبل فترة وقف تحت قبة جامعة العرب وزير لبناني اسمه «جبران باسيل»، متحديًا ورافضًا لقرار العرب بإدانة إيران في حادث السفارة السعودية. وبالتزامن مع الحدث، كان حماه «ميشيل عون»؛ يكيل الاتهامات لمملكة البحرين، تملُّقًا لحزب الله، أحد أجنحة طهران.. لاحظ هنا أن «عون» مازال مُصرًّا على الترشُّح لرئاسة لبنان. ويبدو أن صمت الجامعة على تلك المظاهر المؤسفة من خارجية عربية تنتمي لها، قد أقنع «باسيل» بأن كل خارجية عربية حُرَّة فيما تفعله، حتى ولو كان ذلك على حساب دولة، بل دول عربية أخرى! ولأن ذلك كذلك؛ اندفع «باسيل» في حربه الشرسة ضد اللاجئين السوريين، مطالبًا بطردهم دون أن يردعه أحد! ولأنه «باسيل»، ولأنها لبنان، فقد مضت الأمور وستمضي لما هو أسوأ عربيًا، وكأنَّ على رأس العرب بطحة لبنانية؛ وبعبارة أوضح وكأن عروبة لبنان منقوصة. وكان ما كان، وتغيَّر عراق العروبة، الذي كان يغار على كل شبر من أراضي العرب، لتتحوَّل خارجيته -فضلًا عن مندوبيّته لدى الجامعة العربية- إلى حارس ومراقب لكل ما يمس إيران! العراق يرفض إدانة إيران في موضوع السفارة.. العراق يرفض إدانة إيران في موضوع البحرين.. العراق يرفض إدانة طهران في موضوع تسييس الحج. فلما طال صمت الجامعة عن التحوُّل العراقي الواضح، ومن باب النخوة العربية، أدان مجلس التعاون الخليجي جرائم قوات الحشد الشعبي الطائفية البشعة، الأمر الذي أثار غضب الخارجية العراقية. أفهم في زمن الفتنة والعتمة حد الظلمة أن تنحرف رؤية دولة عربية لصالح طرف عربي ضد آخر، مثلما يحدث الآن في ليبيا، لكني لا أفهم كيف ينحاز عرب ضد عرب من أجل إيران.. غير أن مساحة الدهشة سرعان ما تتلاشى، وقد بات لدينا عرب ينحازون ضد عرب من أجل إسرائيل. هل انعدم مَن يصد ومَن يصيح ويحتد في وجه كل من يتمدَّد إيرانيًّا أو إسرائيليًّا ويمتد.. ويتجاوز الحد؟!. sherif.kandil@al-madina.com