سبعون نائباً في البرلمان العراقي فقط صوتوا أمس لوزير المالية العراقي هوشيار زيباري، وفشلوا في دعمه، حيث خسر منصبه، ليسجل أول سابقة فيما يتعلق بالوزراء الأكراد، الذين كانوا يعرفون كيف يحصنون أنفسهم في بغداد عبر تحالفات دقيقة داخلية وإقليمية، وتماسك قومي نادر داخل المكون الكردي، وفي برلمان لديه قاعدة عمل توافقية رصينة، لكن كل شيء يتغير كما يبدو. ومنذ نجاح نواب متحالفين مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في سحب الثقة عن وزير الدفاع (السني) خالد العبيدي الشهر الماضي، يتحدث الجميع عن عودة قوية ومريبة للمالكي، وتأثيراته وقدرته على المناورة واللعب على التناقضات داخل كل مكون، إلا أن سحب الثقة من زيباري كشف متغيرات جديدة في السياسة العراقية، كان المراقبون يترددون في اتخاذ رأي حاسم بشأنها. فمن جهة، بات واضحاً أن التحالف الكردستاني في بغداد لم يعد واحداً، إذ إن معظم أعضاء حزب الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني رئيس الجمهورية السابق، عملوا ضد زيباري القيادي بالحزب الديمقراطي، وهو الطرف الكردي المنافس والمستقر في أربيل، حيث انعكست الخلافات بين المدينتين لتصبح واقعاً سياسياً في بغداد، وهذا يحصل لأول مرة منذ سقوط صدام حسين. أما الأمر الآخر فيتعلق بتغيير قاعدة العمل داخل البرلمان، إذ اضطر رئيس مجلس النواب سليم الجبوري إلى الكف عن ميله للاحتفاظ بالتوازنات بين الأطراف المتصارعة، والانحياز إلى جبهة المالكي وحلفائه، وجعل التصويت على الثقة سرياً عبر الأوراق، لا برفع الأيدي، ما أتاح للنواب أن يخالفوا رأي زعماء كتلهم. وهذا متغير خطير في الحياة البرلمانية، التي كانت تعتمد على توافق زعماء الطوائف أيام التصويت العلني، حيث لم يكن النائب يجرؤ على مخالفة موقف كتلته، أما اليوم فقد أتاح التصويت السري حرية أكبر، واستفاد حلفاء المالكي من ذلك أيما فائدة. وسينعكس المتغيران بنحو خطير على نوع وجدية التسويات بين الطوائف في المستقبل القريب، وسيبرمان اتفاقات مضمونة، كما سيقدمان لأربيل حجة إضافية للمطالبة باستقلال كردستان أو تنظيم استفتاء على مستقبلها، لأن الخيوط القليلة المتبقية مع بغداد "بدأت تتقطع"، حين وصل الأمر إلى الوزير زيباري الذي يمثل واحداً من أبرز كاتمي أسرار السياسة العراقية، وأبرز كردي في بغداد.