تجمعت النسوة وقد ارتدين أبهى ثيابهن، وتناثرن في البهو العلوي الكبير في الدوار الذي يضم الأب، والأم، واثنين من الأبناء الذين تزوجوا، وعاشوا، وأنجبوا «صبيان وبنات» في الدوار نفسه، وجاء الدور على الابن الأصغر الذي اختاروا له عروساً من عائلة أخرى، وكان يجلس في صدارة المندرة، وقد تحلق حوله عدد من شباب العائلة كانوا يرتدون الجلاليب الصوفية، وتلتف حول أعناقهم الكوفيات الكشمير ذات الألوان الزاهية. أما كبار السن من رجال العائلة فقد ارتدوا الجبب والقفاطين، وتتدلى من فوق أكتافهم الشيلان الصوفية، كانوا جميعاً في انتظار موكب العروس التي ما إن وصلت حتى تقدم شقيقها الأكبر ثم حملها وصعد بها إلى البهو العلوي، حيث تقع الحجرة المخصصة لها، وانطلقت الزغاريد وتعالت أغاني الأفراح. كانت العروس شاحبة الوجه رغم كثافة الماكياج الذي امتلأت به بشرتها، وخصوصاً أحمر الشفايف الزاعق الذي أضفى عليها مسحة أنثوية مفتعلة غطَّت على صغر سنها، ولكن ظلت عيونها زائغة تعكس كماً هائلاً من الهلع والذعر الذي أصاب جسدها برعشة لا تخفى على العين. كانت حجرتها تتكون من سرير نحاس بأعمدة، وقد تدلت منه ناموسية بمبية اللون تجاوره كنبة اسطمبولي مكسوة بقماش كريتون ذي ألوان نارية، وتمتد أمامها ترابيزة صغيرة، وفي نهاية الحجرة دولاب بني بضلفتين ومرايا؛ ويكسو أرضية الحجرة كليم مخطط بألوان بيضاء ونبيتي، ثم جاءت داية القرية تصحبها اثنتان من المعاونات، وكن جميعاً يتمتعن بأجسام ضخمة مخيفة. وقفت الداية على باب الحجرة، وقد أمسكت بكوز مملوء باللبن، وطلبت من العريس أن يضع إصبعه في الكوز تيمناً بزواج سعيد، ثم دسَّ في يدها ورقة بخمسة جنيهات، تركت الكوز على باب الحجرة، واندفعت إلى الداخل للإشراف على إجراءات الدخلة، وكانت المعاونات قد سبقنها وقمن بإجلاس العروس على الأرض في منتصف الحجرة، وطوقنها من الخلف، وانفردت كل واحدة منهن بساق وذراع من ساقي وذراعي العروس ثم دخل العريس وقام بأداء مهمته وأصيبت العروس بإغماء طويل. خرج العريس منتشياً يحمل في يده منديلاً أبيض ملطخاً بالأحمر ولمعت عيناه بالنصر، ثم شقَّ طريقه بين الزغاريد، والأعيرة النارية التي انطلقت تعلن للملأ أن العروس بنت بنوت، بِكر لم يمسها إنس ولا جن من قبل. ثم امتدت الطبالي زاخرة بطواجن اللحم والمرقة وصواني البطاطس، وأناجر البامية والملوخية، وانهمك المدعوون في التهام ما لذَّ وطاب من الطعام، في الوقت الذي غرقت فيه العروس في بحر أحمر لم تفق منه قط.