×
محافظة المنطقة الشرقية

أرامكو : إصابة 8 عمال إثر حريق في فرضة رأس تنورة .. والتحقيقات جارية لمعرفة الأسباب

صورة الخبر

لم يحل عمر الحاج عبدالقادر أبو عجمية، الذي يقترب من الثمانين، دون توجهه إلى مقاعد الدراسة، وبالتحديد في مدرسة الحسين الثانوية في مدينة الخليل، ملتحقاً بالثانوية العامة. يحمل حقيبته التي هي أشبه بحقيبة المتوجه إلى الحقل، يصف كتبه فيها بمساعدة زوجته الحاجة مريم، ويتوجه بنشاط مرتدياً بدلته وربطة العنق، ومعتمراً الكوفية الفلسطينية، على عكس زملائه ممن يرتدون «الجينز» والـ «تي شيرت»، ويتفننون في تسريحات الشعر خاصتهم. ويدرس أبو عجمية ساعات كل يوم، ويطمح الى إكمال دراسته الجامعية، وفي الفصل، حيث يجلس على المقاعد الأولى، تجده متفاعلاً مع ما يقوله المعلمون في مختلف المواد، ولا يتوانى عن رفع إصبعه رغبة منه بالإجابة على تساؤلاتهم، والتي غالباً ما تكون نموذجية، وعلى رغم فارق السن الكبير بينه وبين معلميه لمصلحته بطبيعة الحال، فإنه يتعامل معهم كتلميذ، وإن كان المعلمون يكنّون له احتراماً خاصاً، مع أنه كغالبية الطلاب الفلسطينيين يجد صعوبات في التعاطي مع مادتي الرياضيات واللغة الإنكليزية. ويشير أبو عجمية إلى أن شعوره بالعجز إزاء العديد من المواقف دفعه إلى مقاعد الدراسة، مذكراً بأن سلطات الاحتلال المتعاقبة على فلسطين، وبخاصة في فترة الانتداب البريطاني، عمدت إلى تجهيل جيله ومن سبقه ومن تلاه مباشرة، لإدراكها أهمية التعليم في رقي الشعوب، لافتاً أيضاً إلى أن ضيق الأحوال المادية للعديد من الأسر حال دون تعليم أبنائهم، وذلك كي يعملوا في الزراعة وغيرها في سن مبكرة، ويساعدوا ذويهم في توفير مصاريف العائلة. ويضيف: «صحيح أن نسب التعليم لدى الفلسطينيين مرتفعة، لكن ليس أمامهم إلا المزيد من التعليم، فهو سلاحهم في مواجهة الاحتلال، لذا قررت العودة إلى المدرسة، لعل شاباً أو اثنين يقتديان بي، ويعودان إلى مقاعد الدراسة التي هجراها ... أنا سعيد بالتجربة، وأتمنى أن أكمل دراستي الجامعية. أما زوجته الحاجة مريم التي تدعم خطوته بالعودة إلى مقاعد الدراسة، فترى فيها خطوة حسنة، لكن ما يقلقها تأثير إرهاق الدراسة على صحته. وتقول: «ما دام يتنفس فليتعلم، ما دامت رغبته ... ألمس سعادته في ذهابه وإيابه، وهذا أمر يساهم في تحسين مزاجه وصحته، هو الذي عاد بعد غياب 63 عاماً عن هذه المقاعد التي تغيرت كثيراً، بعدما توقف بعد المرحلة الأساسية لعدم وجود مستويات أعلى في مدرسة قريته». ويقول عبد أبو سنينة، مدير مدرسة الحسين الثانوية للبنين، إن خطوة الحاج أبو عجمية ساهمت في تشجيع الطلاب من أبناء فصله، وبعض الشباب الذين غادروا مقاعد الدراسة، بالعودة مجدداً إليها، بوحي مما قام به الثمانيني الشجاع والنموذج، فهم وجدوا في حرص هذا الحاج في مثل هذا العمر على التعليم دافعاً لهم، ومن باب أولى، كشباب، تقديم ما يوازي هذا الحرص إن لم يفوقه. وهذه ليست المرة الأولى، التي تشهد فيها مقاعد الدراسة في المدارس الثانوية والأساسية الفلسطينية التحاق مسنين ومسنات بمن يصغرهم بستين أو سبعين عاماً، فقبل أعوام، اشتهرت في قرية جبع قرب جنين الحاجة عريفة التي تعيش في منزل بسيط لا كهرباء فيه ولا ماء ... وعلى رغم إجادتها صناعة تحف من الفخار، إلا أن ذلك لم يحرمها من التوجه إلى الصفوف الدراسية الأولى، حيث تجد حرجاً في الجلوس الى جانب فتيات لم يتجاوزن الثامنة من أعمارهن، لكنها باتت قادرة على القراءة والكتابة بعد أن عاشت قرابة السبعة عقود أميّة، وحالها حال العديد من الفلسطينيين والفلسطينيات الذين وشعروا بأنهم عادوا «شباباً» بعودتهم إلى مقاعد المدرسة.