تطرح الكاتبة التركية المعروفة عالمياً إليف شفق في كتابها «حليب أسود» (دار الآداب - ترجمة محمد درويش) الصراع القوي بين الكتابة والأمومة في حياة امرأة أرادت أن تتفرّغ للكتابة فقط. فإن كان فعل الكتابة يتطلب من صاحبه هدوءاً ووقتاً واستقراراً، فهل يمكن المرأة - الأم أن تحقق حلم الكتابة وسط مهمات دقيقة ملقاة على عاتقها؟ يبدو الكتاب في صفحاته الطويلة كأنه جواب عن هذا السؤال، عبر تأملات عميقة في الأدب والأمومة والسلام الروحي. علماً أن إليف شفق نفسها اعترفت أكثر من مرة أنها عانت من اكتئاب ما بعد الولادة، بحيث وجدت نفسها فجأة أمام حقيقة أن تكون مسؤولة عن كائن صغير من لحم ودم، بعدما كان كلّ اهتمامها منصباً على شخصيات من محض الخيال. وفيما هي غارقة في الانهيار النفسي الذي يلي الولادة، تعمّقت شفق في كاتبات مفكّرات مثل سيلفيا باث وفرجينيا وولف وسيمون دو بوفوار وآليس ووكر لمساعدتها في إيجاد طرق توافقية للصراع بين الأمومة والإبداع في مجتمع ذكوري. «حليب أسود» هو كتاب مذكرات إن صحّ القول تنطلق فيه الكاتبة من حادثة الزلزال الذي شهدته مدينة إسطنبول عام 1999، والذي ترك تأثيره الكبير فيها. تصف في القسم الأول من الكتاب مرحلة الحب والأحلام والقراءة والكتابة، ثم تعرض في مرحلة لاحقة فترة ما بعد الزواج والأمومة لتختتم بأن الصعوبات التي واجهتها كأم كاتبة لم تخلُ من إشراقات جميلة، حتى غدا زاهر وزيلدا الملهمين الدائمين لأعمالها الإبداعية.