تخيل لو أن القانون الداخلي للبلدان يخول مؤسسة القضاء محاكمة دولة أخرى دون مرجعية للقوانين الدولية كهيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، إذا رفع مواطنون دعوى ضد هذه الدولة بسبب أعمال إرهابية لأفراد من مواطنيها لا علاقة للدولة بهم.. ماذا سيحدث للعلاقات الدولية؟ العواقب وخيمة لأنها ستوتر أو تسمم العلاقات الطبيعية بين الدول المستقرة، مما يخدم في نهاية المطاف أهداف الإرهاب.. لكن هذا ما وصل إليه مشروع قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» للكونجرس الأمريكي، الذي أثار جدلاً أخلاقياً وقانونياً وسياسياً، حتى أن الإدارة الأمريكية حذرت منه لأنه يورطها، إذ يمكن ممارسته ضد الحكومة الأمريكية في الدول الأخرى. فما هو نص مشروع هذا القانون، الذي يحكى عنه دون أن نراه؟ وما تداعياته على التشريع الأمريكي وعلى القانون الدولي والسياسة الدولية، وعلى علاقات السعودية مع أمريكا؟ تنص خلاصة مشروع القانون وفقاً لموقع الكونجرس في الإنترنت، على التالي: «هذا مشروع قانون يعدل قانون القضاء الاتحادي لتضييق نطاق الحصانة السيادية الأجنبية من خلال السماح لمحاكم الولايات المتحدة بالنظر في قضايا تتعلق بمطالبات ضد دولة أجنبية من جروح، أو موت، أو إصابات حدثت داخل الولايات المتحدة نتيجة لضرر، بما فيها العمل الإرهابي، المرتكب في أي مكان من قبل دولة أجنبية أو مسؤول. بالإضافة إلى ذلك، فإن مشروع القانون يخول المحاكم الفيدرالية ممارسة الولاية القضائية الشخصية وفرض المسؤولية على الشخص الذي يرتكب، أو يساعد، أو يحرض، أو يتآمر في ارتكابها، باعتباره عملاً من أعمال الإرهاب الدولي ضد أحد مواطني الولايات المتحدة». هذا النص التشريعي لا يتطرق لأحداث 11 سبتمبر ولا للسعودية، إلا أن سياق الأحداث يوحي ضمناً بذلك لأنه يتزامن مع الذكرى السنوية 15 لأحداث سبتمبر، ويأتي استجابة لدعاوى فردية مدنية ضد المملكة؛ ومن ثم فالأثر العملي له سيخول المحاكم الأمريكية بالنظر في هذه الدعاوى.. مشروع القانون قدم أصلاً عام 2009، وأعيد العام الماضي لمجلس الشيوخ الذي أقره في مايو 2016 بالاقتراع الصوتي، ثم أقر من مجلس النواب قبل أسبوع. في غضون ذلك، أعرب المتحدث الرسمي للبيت الأبيض عن خشيته بأن القانون سيضع أمريكا من مواطنين وموظفين ودبلوماسيين في «خطر كبير» إذا صدر قانون مماثل بالبلدان الأخرى. فما هي الترتيبات الإجرائية لكي يصبح المشروع قانوناً دستورياً داخل أمريكا. المتوقع أن يرفضه الرئيس الأمريكي فله دستورياً حق النقض. في هذه الحالة يعاد المشروع للكونجرس (مجلسي الشيوخ والنواب)، ولكي يتجاوز حق النقض يشترط وصول التصويت بالموافقة نسبة الثلثين، لكن ذلك ليس مؤكداً، لأن التصويت بالأصل تم بالاقتراع الصوتي الشفهي، ولتجاوز حق النقض يجب أن يكون التصويت مسجلاً كتابة لمواقف جميع الأعضاء، ومن المتوقع تغير نسبة التصويت لأن بعض النواب صوَّت لأهداف انتخابية.. فإن وصلت النسبة للثلثين يعاد للإدارة الأمريكية وعليها قبوله دون نقض، ويصبح قانوناً ناجزًا، وإن لم تصل النسبة المطلوبة يعاد المسار من جديد لدورة تشريعية طويلة أو يطوى الموضوع. من ناحية القانون الدولي فمشروع القانون، باتفاق الخبراء، يخالف ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي. إنه مشروع يهز أسس قوانين العلاقات الدولية القائمة على مبادئ المساواة بالسيادة، وحصانة الدولة، والاحترام المتبادل، وعدم فرض القوانين الداخلية لأي دولة على دولة أخرى. كما أنه من غير المسوغ قانونياً وأخلاقياً تحميل البلدان مسؤولية ارتكاب أفراد غير مسؤولين من مواطنيها هم بالأساس مدانين منها! أما من ناحية السياسة الدولية فهو يربك القواعد المستقرة للعلاقات بين الدول، ويربك وضع أمريكا مع أصدقائها وحلفائها، ويشوه سمعتها باستخفاف مشرعيها بالقوانين الدولية، ومن ثم يضعف الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب، بل ويحقق مساعي المنظمات الإرهابية (خاصة تنظيم القاعدة) فهي لا تقتل لمجرد الانتقام والتخويف بل لتسميم العلاقات الدولية المستقرة، وضرب مصالحها المشتركة كي تتنافر عن بعضها... ماذا عن تأثير مثل هذا القانون لو أقر على علاقة السعودية بأمريكا؟ يمكن لذلك أن يلقي بظلاله السلبية على العلاقة بين البلدين رغم أن الإدارة الأمريكية كررت أنها ستعارضه، فالحكومة السعودية لديها نحو 750 مليار دولار في سندات الخزانة الأمريكية وأصول أمريكية أخرى يمكن أن تستخدمها كرد على هذا القانون الغريب، إلا أن عدداً من المحللين الاقتصاديين الدوليين المستقلين ذكر أنه من المستبعد أن تسحب السعودية استثماراتها، معتبرة أن مثل هذا العمل المكثف صعب تنفيذه، وقد يعيق اقتصاد المملكة (صحيفة نيويورك تايمز). على المستوى الشعبي في العالم العربي هناك اعتراض واسع على مشروع هذا القانون، ففي تصويت قام به موقع روسيا اليوم: هل تؤيد قرار الكونغرس الأمريكي الذي يمهد لإدانة السعودية؟ أجاب 95 % بلا من بين أكثر من ربع مليون مشارك في التصويت. هناك شك عالمي أن هذا القانون سيبصر النور، حسب أستاذ الحقوق في الجامعة اللبنانية أمين عاطف صليبا، الذي يقول إنه حتى لو صار قانوناً، فإنه تعتريه تشويهات لا يمكن تجاوزها في علم القانون..