كتبتُ ذاتَ يوم وأكررُ اليوم أن شعر أنسي الحاج لا يتفيأ بل يؤسس الظلال. «غاضبُ يوم الأحد» في «ملحق النهار» كان المعادل الأدبي لثورة شباب عمّت العالم ووصلت الى بلادنا. هو غاضب يوم الأحد، لا ثائره، لأن للبنان خصوصية تحبط وتجعل أي ثورة غير ممكنة، ولكن، في الشعر، يحدث أحياناً أن نثور وننجح، كما في قصيدة النثر العربية التي انعقدت ريادتها لأنسي الحاج ومن بعده لمحمد الماغوط، ليتواصل موكب الوارثين عن حق وغير حق. فلنقطع حبل هذا الكلام: وصلني خبر أنسي وأنا في السيارة بين صيدا وبيروت، الجبل الى يميني والبحر الى يساري. لا أرى ما خلف القمم ولا ما يخبئ أفق البحر. أنا اللبناني أمام جمال بلادي وأفخاخ هذا الجمال إلى محو شرقي أو محو غربي. أستعيد الستينات وبعض السبعينات و «كلمات كلمات كلمات» عنوان المرحلة، وقبل الـ «كلمات» كان شعره يولد في أروقة معهد الحكمة حيث العربية الأرقى، وفي «النهار» متابعة للشأن الثقافي تغنيه، وفي «شعر» تأسيساً مع يوسف الخال وأدونيس. قال لي مرة ان الحياة أولاً، وقد أوفى بذلك سيرة وكتابة، لأن نصه لاحق للحياة وهو رسالتُها لا نعيُها. شيء من العظمة في شخص هذا الشاعر مصحوب بشيء من الزهد. انها خلطة أنسي الخاصة وليس في الإمكان تقليدها ولو في الصين. أنسي الحاج لغته. قطرات متجوهرة بضوء الشمس. كما لو أنك في البحر وتلقي بقبضة ماء عالياً. انظر إلى قطراتها وأقرأها قصيدةً. لغته التي ترفرف مثل طير، التي تحيي موات الروح وإن كانت تتناول حجراً أو شجراً يابساً في أول الصحراء. تطوير للغة أهل النهضة العربية، تطوير على طريقته والتقاط لغير المعروفين في النهضة وإهمال متعمد للمشهورين. أنسي الحاج شاعر الخوف على لبنان، وإن لم يعلن، وهو شاعر الضجر من الخوف على لبنان حتى القول بعبثية السياسة، وصولاً إلى تمجيد ضحية السياسة، الإنسان. وداعاً أيها الزاهد، نحيا بثروة تركتها ولا تنضب.