لم تشهد الجزيرة القبرصية جموداً في تاريخها من طينة ما أصابها في العقود الثلاثة الأخيرة. فالجزيرة صاحبة الموقع الاستراتيجي الخطير في شرق المتوسط الذي جعلها هدفاً للغزاة او الطامعين في المنطقة منذ مئات السنين، والتي قال قدماء اليونان انها مولد أفروديت آية الجمال ورمزه، بقيت مهملة و «ثابتة» على حال الانقسام بين الشمال التركي والجنوب اليوناني. وهذه الجزيرة التي يرى بعض المسؤولين الغربيين أنها حاملة طائرات في شرق المتوسط لم تحل نزاعاتها دون استقبال قواعد بريطانية وغربية، تشهد هذه الأيام حركة نشطة لإعادة توحيد شطريها. فهل هذا مدعاة تفاؤل أو تشاؤم لسان حاله ان الحركة الديبلوماسية لن تفضي الى شيء يذكر، وأنها تكرار باهت لمحاولات سابقة كثيرة باءت بالفشل؟ منذ 2004 حين أخفقت خطة الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، كوفي أنان، الرامية الى توحيد الجزيرة بعدما رفض الشطر اليوناني الحل في استفتاء شعبي، لم تشهد الجزيرة محاولات جدية لاستئناف مسيرة السلام برعاية الأمم المتحدة. ولكن يبدو ان الأمور بدأت تتغير في الأسابيع القليلة الماضية. وبعد مرور نحو 10 سنين على خطة أنان، بدأ الرئيس القبرصي، نيكوس اناستاسياديس، ورئيس الجمهورية القبرصية الشمالية التركية، درويش آر أوغلو، مفاوضات تبحث في حل أزمة الجزيرة المقسمة برعاية مفوضة الأمم المتحدة ووسيطتها، ليزا بوتنهاين، التي أعلنت في 11 شباط (فبراير) استئناف المفاوضات في المنطقة المحايدة قرب العاصمة نيقوسيا. ووفق هذا البيان، لم تتغير القضايا التي ستطرح للنقاش، وهي على حالها منذ 40 سنة، أي تقاسم السلطة والثروات، وعودة المهجرين وتبادل الأراضي وغيرها! والحل المطروح سبق ان طرحته الأمم المتحدة وهو يقضي بإنهاء الانقسام عبر اتحاد دولتي قبرص التركية وقبرص اليونانية وانضوائهما في حكم فيديرالي يكون فيه للقبارصة الأتراك حق الدولة المؤسسة والتي لها كل الحقوق على قدم المساواة مع الطرف اليوناني. حتى طريقة الحل في هذه المفاوضات هي ذاتها وكانت عرضت على استفتاء شعبي. لكن السؤال الأبرز هو ما الذي تغير اذاً وحمل على توقع نتيجة مختلفة لاقتراحات سابقة؟ هناك أولاً مسألة الغاز المكتشف وبروز الحاجة الى خطوط لتصديره، وهذا يقتضي تمهيد الطريق وتذليل العقبات والحواجز. ورجح كذلك احتمالات الحل عدد من العوامل، منها الأزمة المالية القاسية التي تعصف بقبرص، ورؤية أميركا الى الشرق الأوسط وشرق المتوسط التي تحض على مد جسور تعاون تركي – إسرائيلي – قبرصي؛ وتدهور الاحوال الاقتصادية وتبدد البحبوحة التي حملت القبارصة اليونانيين على رفض الحل عام 2004. وتواجه قبرص اليونانية ازمة مالية خانقة، شأن قبرص التركية التي تعاني من حصار اقتصادي أوروبي. والقائدان اللذان يعالجان الأزمة اليوم اكثر مرونة وميلاً الى الحل، فكلاهما من أحزاب يمين الوسط. وتؤيد الاحزاب اليسارية اناستاسياديس في مساعي الحل، وكان ساند خطة الحل الأممية في 2004 لذا، يسعى الى اقناع الأحزاب اليمينية بها. ولا يستخف بأهمية موقف الكنيسة في قبرص من المفاوضات، فهي أعلنت انها لا تعترض على بيع الغاز الذي سيستخرج الى تركيا لتوصله الى أوروبا، وهذا يعني انها لا تعارض الحل، ويساهم في تليين المزاج العام واستمالته الى عملية السلام. من الجانب التركي، يحظى ار اوغلو اليميني هو الآخر بدعم أحزاب اليسار القبرصية - التركية ويدرك ان الحل اليوم يعني كسب ثروة كبيرة من الغاز قد تغيّر حياة القبارصة الأتراك الى الأبد، ناهيك عن استفادة تركيا اقتصادياً وسياسياً من مشاريع الغاز القبرصية التي يمكن ان تتوسع في حال أبرِمت المصالحة. ويجب ألا نهمل التشجيع الأميركي على تعاون تركي- إسرائيلي - قبرصي في موضوع نقل الغاز وبيعه الى أوروبا من اجل تخفيف اعتمادها على الغاز الروسي. وفي ظل انشغال مصر وسورية ولبنان بشؤونها الداخلية، تتعاظم أهمية التعاون بين تركيا وإسرائيل وقبرص من اجل ارساء الحل وانطلاق المشروع. * كاتبة، عن «طرف» التركية، 15/2/2014، إعداد يوسف الشريف