نسمع مؤخراً لا سيما بعد الهجمات الإرهابية الدامية عن قيام السلطات الأمنية في بلدان أوروبية بإبعاد أئمة مساجد لأسباب تتعلق بتجاوزات ومخالفات للقوانين تشكل خطراً على أمنها واستقرارها، فقد وجدت تلك الدول أنها مضطرة إلى مراقبة أنشطة من يعمل في بعض المساجد والمراكز الإسلامية ومتابعة أساليب تأثيرهم على أفكار مريديهم. لقد ظهر في حالات كثيرة أثر هؤلاء الأئمة ودورهم في تحريك مشاعر الكراهية والعنف في نفوس الشباب من المهاجرين من خلال المحاضرات والخطب والمطبوعات لاسيما وأن بعض هؤلاء الشباب لم يتلقوا التربية الدينية الصحيحة في بيوتهم مما عجل في وقوعهم فريسة للأفكار المتطرفة بجانب تأثير عوامل أخرى اجتماعية واقتصادية وثقافية. إمام يحمل جنسية أوروبية ومع ذلك يظهر تعاطفه علناً مع أحد مرتكبي الأعمال الإرهابية في فرنسا، ويدفع الشباب إلى الذهاب إلى ساحات القتال، ورغم تنبيهه إلا أنه تابع خطابه التحريضي. إمام آخر يدعو الشباب والأطفال ممن يدرسون في المدارس إلى تجنب سماع الموسيقى في بلد تحتفي بالفن والموسيقى وتعتبره عنصراً أصيلاً في حضارتها. وآخر يحرض ويعادي الغرب وقوانينه في خطبه ويصرح باعتراضه على تشريعات الدولة التي يقيم فيها مع عائلته منذ سنين ويعتبرها غير مقبولة من طرف المسلم الملتزم، لما تحمله من ارتكاب للذنوب، مثل مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. سلوك هؤلاء الأئمة ومن يتبعهم يظهر حالة النفاق والتناقض والانفصام التي تعيشها فئة من المهاجرين والمقيمين في أوروبا ممن توجهوا إليها رغبة في الأمن والعيش الكريم، فمن يقرر أن يعيش في بلدان غربية ويستفيد من خدماتها ومساعداتها ويطالب بالحصول على جنسيتها عليه أن يحترم قوانينها ودستورها، فليس من الأخلاق أن يتنعموا بالخدمات الصحية والتعليمية ويحصلوا على امتيازات مادية واجتماعية لهم ولعائلاتهم ثم يكيدون لتلك الدول سراً وعلانية ويعملون في اتجاه معاكس لمصالحها، وإذا كانت الحياة لا تناسبهم في تلك الدول عليهم أن يعودوا لأوطانهم التي تركوها بحثاً عن الرفاهية والعدالة. هذا السلوك والخطاب العدائي يضر بمصالح الآلاف من المسلمين العرب الذين يعيشون هناك، ويتسبب في عرقلة مصالح من يريد منهم الذهاب للدراسة أو العمل، ويحرك التيار اليميني المتطرف الذي يرفض وجودهم وهو التوجه المقابل للتيار المتطرف الذي ينسب نفسه إلى الإسلام. إن تزايد أعداد المهاجرين والمقيمين في السنين الأخيرة وانغلاق جماعات منهم على أنفسهم وثقافتهم وعجزهم عن التأقلم مع نظام ومجتمعات الدول التي يستفيدون من امتيازاتها مع احتفاظهم بقيمهم وتقاليدهم، وإصرار بعضهم على ممارسة حريتهم وشعائرهم بشكل ملفت ومستفز دون أخذ دساتير تلك الدول وقوانينها بالاعتبار سيفاقم مشكلاتهم ويعرضهم إلى المزيد من الضغوط والصراعات.