الفتوات أو ما يعرف في المشرق العربي باسم (القبضايات) هي أكثر الشخصيات التي استوقفتني عندما كنت أقرأ رواية نجيب محفوظ (حكايات حارتنا)، وهي شخصيات ستشعر أنها قريبة من واقعك، بل ربما تخاف من أن يخرج أحدهم ليقبض على (زمارة رقبتك) قائلاً بصوت خشن: «كيف تجرؤ على أن تضعني في سطور ثم تقرأني». إنهم يسكنون في حارة نجيب محفوظ والتي لا تختلف كثيراً عن حواري الوطن العربي، ولكن رغم أن صفات الفتوات قد تغيرت، حيث انتهت في زمن نجيب نفسه بسبب السلطة المركزية للدولة الحديثة، إلا أن للفتونة أساليب ممتدة في (الزمكان). جعلص الدنانيري والسناوي وحمودة الحلواني وعباس الجحش وفتوة العطوف والدقمة وزغرب البلاقيطي هم فتوات الحارة المتعاقبون الذين وضعهم نجيب محفوظ في بناء أدبي يستحضر عظمة من يحمل الحلم القديم بتحقيق العدل والمساواة، ثم ينقلب هذا الحلم إلى كابوس يجثم على صدور المواطنين. ويصف الراوي قائلا: «الفتونة هي القوة الجوهرية في حارتنا، هي السلطة، هي النظام، هي الدفاع، هي الهجوم، هي الكرامة، هي الذل والسعادة والعذاب... ويحب الفتوة الجمال والنقاء ويعشق الحكايات... ويتلقى الفتوة الإتاوات ويصغي إلى التملق، وعند القتال فهو يقاتل بنبوته ورأسه وقدميه وأتباعه، وأيامه أيام رعب وجبن وذل ونفاق... وتعلمني الخبرة مع الأيام أن حارتنا تقدس طائفتين: الفتوات والبلهاء». ويضيف «الويل لنا عندما يشتد النزاع بين الحارات، عندما تتصارع التحديات بين الفتوات.. تنقلب أفراحنا إلى معارك دامية، يسود وجه الحياة ويكفهر». وعندما يأتي خبر مقتل أحد الفتوات يقول الراوي «ويجتاح الخبر حارتنا كالنار المستطيرة. نذهل ونفزع ونبكي ونصرخ. ونتمعن الخبر ونتبادل النظر فيتسلل إلى جوانحنا استرخاء وأمان وامتنان وفرح، ويستقر بنا الحال فنؤمن بأن علينا أن نحزن رغم أننا فرحون، وأن علينا أن نغضب رغم أننا راضون، وأن علينا أن ننتقم رغم أننا شاكرون... ويضر بنا موته كما أضرت بنا حياته». انتهى. ورغم أن هذه الصفات التي ذكرها نجيب محفوظ للفتوات لا تليق برجل يحترم نفسه ويحترم أهل حارته، إلا أن ذلك لم يمنعني في لحظة من أن أدخل هذا العالم من باب التجربة، ومن باب أن أهل حارتنا أيضاً لا يحترمون إلا طائفتين: الفتوات والبلهاء. وما هي إلا دقائق معدودة دخلت فيها لهذا العالم بخيالي حتى وقف الممثل توفيق الدقن في وجهي معترضا (هو جرى إيه للدنيا... الناس كلها بقت فتوات... أومال مين اللي هينضرب)؟ وعندما وجدت كلامه منطقيا ومتماشيا مع طبيعتي الفطرية والتي تشير إلى أهمية وجودي ضمن المصفوعين، قررت من فوري أن أتخلى عن حلم الفتوة، وأكون من الصنف الثاني... البلهاء. أما أنت عزيزي القارئ (فمحشوم) من أن تكون من الفتوات أو البلهاء، ولكن كل ما عليك فعله هو (البقاء حياً) وألا تنقرض في عالم دارويني، لتدهن (زمارة رقبتك) بزيت الزيتون وتخرجها من عنق الزجاجة التي وضعك فيها طائفتان: الفتوات والبلهاء. قصة قصيرة: سئل آينشتاين: لماذا يستطيع العلماء أن يكتشفوا الذرة ولا يستطيعون السيطرة عليها؟ فأجاب: لأن السياسة أصعب من الفيزياء. كاتب كويتي