×
محافظة المنطقة الشرقية

أحجام شركات الشحن ليست ضماناً

صورة الخبر

في يوليو/تموز 2010 أصدرت مجلة الإيكونوميست البريطانية المتخصصة في الدراسات الاقتصادية والسياسية عدداً خاصاً عن الوضع الاقتصادي في مصر، تصّدر غلاف المجلة صورة للرئيس الأسبق مبارك، ويظهر فيها وجه مبارك على التمثال الأثري الشهير أبوالهول وهو يغوص في الرمال. وتحت عنوان الرمال المتحركة، قدمت المجلة العديد من التقارير عن الحالة الاقتصادية والسياسية لأكبر دولة ذات كثافة سكانية في المنطقة. التقارير كانت تشرح مدى استحواذ طبقة رجال الأعمال على المناصب السياسية واقترابهم أكثر وأكثر من المؤسسة الرئاسية وتأثيرهم في صنع القرار، أحد التقارير كان يتحدث عن تأثير هذا التغيير في التركيبة السياسية على الحالة الاقتصادية ومساهمته في اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وكانت التحذيرات بأن طبقة الفقراء والمعدمين قد تشكل الركيزة الأساسية لأي ثورة مقبلة. وفي خلال ستة أشهر من نشر هذا التحقيق تحققت نبوءة "الإيكونوميست" واندلعت ثورة 25 يناير/كانون الثاني التي أطاحت بالرئيس مبارك بطريقة تشابه الرسم الذي وُضع له على واجهة المجلة. وفي واقع الأمر لم يكن أكثر المتشائمين يتخيل سقوط مبارك بهذه الطريقة، بل إن الكثير من المحللين كان يستبعد الفرضيات التي تشير إلى إمكانية اندلاع ثورة شعبية أو حتى نجاحها في خلع رئيس قوي، كمبارك الذي كان يبسط يده على مؤسسات الدولة التي يرأسها موالوه ويحظى بدعم كبير من المؤسسة العسكرية المصرية. وبعد ست سنوات من تقريرها التشاؤمي السابق، أصدرت ذات المجلة تقريراً جديداً في صيف 2016 عن الحالة الاقتصادية في مصر، استخدمت نفس التصوير السابق للآثار المصرية وإسقاطها على الوضع الحالي للاقتصاد المصري؛ حيث ظهرت أهرامات الجيزة التاريخية على هيئة مؤشر اقتصادي يتهاوى إلى القاع. التقرير الجديد تحدث عن حالة الكساد الاقتصادي وتدهور النمو الذي لحق بمصر في السنوات الأخيرة، والتي من أبرزها انهيار قيمة الجنيه المصري أمام الدولار إلى مستويات تاريخية نتيجة هبوط الاحتياطيات الأجنبية في البنك المركزي. المجلة ألقت باللوم على الحكومة الحالية التي لم تُحسن إدارة المساعدة الخليجية الضخمة التي صبت في خزينة الدولة بعد 30 يونيو/حزيران، بالإضافة إلى الإنفاق الضخم على بعض المشاريع التي لم تضِف قيمة جديدة إلى الاقتصاد الوطني. المجلة تحدثت عن العديد من العوامل الأخرى كقرارات رفع الدعم وزيادة الأسعار التي أدت إلى زيادة الاحتقان في الشارع المصري، وهو ما قد يقود إلى سيناريو مظلم. وبنظرة تحليلية لطريقة المجلة في تناول الوضع الاقتصادي في مصر لفترتين مختلفتين ومصداقية توقعتها للأحداث المستقبلية نجد أن المجلة نجحت في تحليل انعكاس تردي الوضع الاقتصادي على المواطن العادي في الفترة الأولى عام 2010، والخروج باستنتاج أن الضغوط الاقتصادية قادرة على كسر القيود، وتحويل أفراد الطبقة المعدمة إلى قوى محركة ومخيفة باستطاعتها القيام بعصيان عام يشل أركان الحياة السياسية، وكسر بعض التابوهات السياسية التي تجعل من الاستقرار السياسي أولوية مقدمة على الاستقرار الاقتصادي وهو غير صحيح. وبغض النظر عن تنبؤات "الإيكونوميست" المتشائمة، فإن الحكومة الحالية تواجه تحديات صعبة لإعادة الاستقرار إلى الاقتصاد المضطرب، فإيقاف تهاوي قيمة العملة المحلية يشكل أكبر تحدٍّ في ضوء محدودية الخيارات، والإصلاحات الاقتصادية المزمع تنفيذها سوف تكون تبعاتها مؤلمة على المواطن العادي، بالإضافة إلى أن الحكومة مطالبة بإيقاف الهدر المالي، كما أن المساعدات والمنح الخليجية لن تعود إلى سابق عهدها في ظل تهاوي أسعار النفط والإجراءات التقشفية التي تتخذها هذه الدول. وأخيراً مصر اليوم تقف على مفترق طرق، والأولوية لا بد أن تعطى لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي؛ لتجنيب البلاد أي اضطراب يقود إلى ثورة شعبية أخرى تطيح بمستقبل مصر والمنطقة إلى هوة سحيقة لا يعلم مداها إلَّا الله. * د. محمد بن خميس باحث في الشأن الاقتصادي والسياسي العربي ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.