على رغم الاستخفاف الإسرائيلي المتواصل بقدرات جيش النظام السوري لجهة أنه لم يعد جيشاً، أبدى غالبية الخبراء والمعلقين الإسرائيليين قناعة بأن رد هذا الجيش على الطائرات الإسرائيلية، التي قصفت مقراً له، قبل ايام، هو رد يحمل رسالة تهديد لإسرائيل. فهذه اول مرة يرد جيش النظام السوري على عمليات تنفذها طائرات سلاح الجو الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، منذ اندلاع الحرب، بدعوى الرد على قذائف اطلقت بالخطأ غير المقصود باتجاه المنطقة التي تحتلها اسرائيل في الجولان. ولكن، وفي المقابل، اختلف الإسرائيليون في طريقة الرد. وتباينت دعوات الإسرائيليين للقيادتين السياسية والعسكرية حول سبل التعامل مع الوضع الجديد الناشئ نتيجة تكرار إطلاق القذائف باتجاه المستوطنات حتى لو كان بالخطأ، أصوات تدعو إلى الصبر والحذر وعدم اتخاذ خطوات من شأنها تسخين الحدود، وأصوات تدعو الى رد قاس يخيف بشار الأسد ويدفعه لوضع حدا لسقوط القذائف الطائشة من المعارك الدائرة في الأرض السورية. المستوطنون يخشون وقوع قتلى وجرحى في صفوفهم ويقولون ان عدم سقوط جرحى او قتلى بالقذائف التي سقطت على مدار ثلاثة ايام بالقرب من المستوطنات، كان بمثابة اعجوبة، ولا يعني ان القذائف الأخرى لن تصيب سكان المستوطنات او تلحق بهم اضراراً فادحة وتعود بهم الى مستوطنات الجنوب التي تتلقى صواريخ فلسطينية من غزة. وفي الحالين الوضع الحالي يضع المنظومة العسكرية الى جانب المؤسسة السياسية وفي مقدمهم وزير الدفاع، افيغدور ليبرمان ورئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو ورئيس اركان الجيش غادي آيزنكوط، في وضع حرج. فهم من جهة غير معنيين بحرب مع أي طرف يحسم لمصلحته الحرب في سورية ويتمسكون بموقفهم الأساس وهو ترك السوريين لحربهم من دون تدخل، ولكنهم في الوقت نفسه لا يريدون ان يظهروا كمن «يبلع الضفادع» ساكتاً ولا يريدون ان يبثوا صورة ضعف لهم، لا أمام نظام سورية وإيران وحزب الله ولا امام الشعب في اسرائيل. وآيزنكوط وجد افضل رد على الأصوات، التي تشكك في روحه القتالية بسبب امتناعه عن تصعيد الموقف مع سورية بعد صواريخ ارض جو باتجاه الطائرات الإسرائيلية، في الإشراف شخصياً وفي شكل تظاهري على تدريبات شاملة وواسعة في منطقة الشمال، تحاكي في الأساس اندلاع حرب تستدعي رداً سريعاً وقاسياً وخلاله يتم اخلاء مستوطنات وبلدات الشمال. التدريبات وإن خصصت لاحتمال حرب في لبنان، لكنها لا تستبعد ان يكون السيناريو مطابقاً ايضاً لأي حرب في سورية. الإسرائيليون لم يفصلوا في توقعاتهم وتحليلاتهم وتعاملهم مع التطورات الأخيرة بين اتفاق التهدئة وتفاهم موسكو وواشنطن وبين احتدام المعارك في المناطق الحدودية. اذ انهم، ومنذ الإعلان عن اتفاق التهدئة اعلنوا تحفظهم على تفاصيله ورأوا ان الاتفاق والتفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا يمنح النظام السوري نوعاً من الاستقرار ويعزز من قوته، بل يرون ان هذه التهدئة هي التي دفعت النظام ولأول مرة للرد بالمضادات الجوية على الطائرات الإسرائيلية التي اخترقت الأجواء السورية واستهدفت مواقع الجيش السوري. وفي التحليلات الإسرائيلية، فإن الرد السوري على الطائرات الإسرائيلية هو تظاهر بقوة تدل على ان النظام لا يهاب تسخين الأوضاع عند الحدود السورية، خصوصاً بعد ان بدأ يحقق انجازات على الأرض ضد معارضيه ويبعث برسالة قوية الى اسرائيل بأنه سيبقى صاحب القول الفصل في سورية وهو الذي يقرر مستقبل العلاقات مع اسرائيل خصوصاً في مسألة السيطرة على هضبة الجولان. وهم يرون ان الأسد بات على قناعة بأن الوقت يلعب لمصلحته وأنه سيكون قادراً على التفوق على كل خصومه في سورية. والحديث الإسرائيلي عن التفوق يأتي لدى كشف جهات امنية في موقع «واللا» الإخباري ان الجيش السوري نجح في عمليات إغلاق الرادار، على المقاتلات الجوية الإسرائيلية، كمحاولة لفتح النار عليها. وبرأي هذه الجهات الأمنية فإن اغلاق الرادار على الهدف والرد على الطائرات الإسرائيلية يشكلان تصعيداً إضافياً، وبسبب التدخل الأميركي في اتفاقيات وقف إطلاق النار. كما اعتبر خبراء عسكريون هذا الوضع نتيجة حصول الأسد على درع دولية مزدوجة، روسية - اميركية. هذه الدرع تدفع الإسد الى العودة الى انتاج مواد حربية كيماوية، وإعادة بناء الصواريخ وقذائف طويلة المدى. الوضعية الحالية تضع اسرائيل امام معضلة أن ترد في شكل مكثف على كل قذيفة تسقط داخل الحدود او ان تركز في ردها على مهاجمة البطاريات التي تطلق النيران في قطاع الجولان. تدريبات في بلدات محاذية للحدود النظام في سورية، كان قد أعلن عن إسقاط طائرتين إسرائيليتين، إحداهما مقاتلة متطورة والثانية بلا طيار. لكن الجيش الإسرائيلي، نفى في شكل قاطع النبأ. وقال إن سورية حاولت فعلاً إسقاط الطائرتين لكنها فشلت. هذا الرد المفاجئ، تم تفسيره على انه محاولة من الجيش لصد الضغوط التي يتعرض لها وترمي الى دفعه للتدخل في سورية. وهذه الضغوط لا تأتي فقط من المستوطنين ولا من قوى اليمينية فحسب. فقد ظهر مسؤولون وباحثون كبار يطالبون بالتدخل وترك بصمات اسرائيلية سياسية على وجه القيادة السورية القادمة. هؤلاء يرون ان اتفاق التهدئة في سورية يعود بالأساس لمصلحة حزب الله وإيران. ويقول الجنرال في الاحتياط رئيس معهد الأمن القومي في تل ابيب، الجنرال عاموس يدلين، «الاتفاق منح النظام السوري وحليفيه، ايران وحزب الله اللبناني، قوة كبيرة. وإن لم نتحرك لعمل شيء فإننا سنجد نصرالله على حدودنا الشرقية. وفي شكل غير مباشر، وافقه الرأي رئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع، عاموس غلعاد، الذي اعتبر حزب الله اكبر تهديد لإسرائيل، بسبب حيازته أكثر من مئة ألف صاروخ. جاء ذلك في حين كان الجيش افتتح سلسلة تدريبات عسكرية، ترمي الى مجابهة حرب صواريخ واسعة تتعرض لها البلاد شمالاً وجنوباً، من حزب الله وسورية وربما ايران وحماس، في آن واحد، مما سيوقع خسائر كبيرة قبل التمكن من اخمادها. ورأى رئيس الأركان غادي ايزنكوط هذه التدريبات افضل رد على اطلاق القذائف المتكررة. وأوضح قائد الجبهة الشمالية، افيف كوخافي، ان التدريبات تشمل سيناريو يضطر فيه الجيش الى إخلاء السكان المدنيين عن البلدات الحدودية. وأنه يتم التدريب أيضاً على مجابهة وضع يستطيع فيه حزب الله خلق وضع حربي تكون فيه القرى المحاذية للجدار الحدودي تحت تهديداته المباشرة ولعمليات تسلل الى البلدات الحدودية. لكن هناك أيضاً من يحذر من أن تكون كل هذه التحليلات بمثابة ضرب من الخيال، يقود المحاربين الى حرب لا يريدونها. ويحذر الكثيرون من خطر تصعيد حربي. فيما يرى آخرون ان يبقى عمل الجيش في اطار التدريبات وعدم الانجرار الى هذه الحرب والحفاظ على الموقف الرسمي الإسرائيلي المتمثل بأن لا تتدخل اسرائيل في الحرب في شكل عميق وتستمر في وضعها الحالي حيث تقيم علاقات مع جميع الأطراف وتبعث بالرسائل الى الجميع وتضمن ان لا يقترب منها أحد.