يَظنُّ النَّاسُ بأَنَّ العقُولَ فِي الدُّنيَا وَاحِدَة، حَيثُ يَعتقدُونَ أنَّ العَقلَ الهِنديَّ هو نَفسه العَقل الفَارسيّ، وهو أَيضًا ذَاته العَقل الأُوروبيّ، والعَقل العَربي -إِنْ وُجِد-، ومَا عَلِمُوا أنَّ الفَلاسفة الكِبَار جَنَّسوا العقُول، ورَبطوها بالجُغرَافيا، ومَن لَم يَقتَنع بهَذا القَول؛ فإليهِ بَعض الأَدلَّة: في مَكتبتي الصَّغيرة جِدًّا، عَثرتُ عَلَى عَشرَات الكُتب التي تَتحدَّث عَن العَقل العَربي، ذَلك العَقل المَحدود بمسَاحة لَا تَتجَاوز 4×6، حَيثُ يَتأثَّر بأَربعة أشيَاء، وهي: الدِّين، والهويّة، والتُّراث، والتُّربَة، ويَتفَاعل مَع سِتَّة أشيَاء، وهي: العَصبيَّة القَبليَّة، والاعتزَاز بالذَّات، والاعتقَاد بأنَّه العُنصر الأفضَل، وكُرهه للتقيُّد بالأنظِمَة، وعِشقه للفَوضَى، وحُبّ التَّسويف..! ولَعلَّ أوَّلَ مَن اهتَم بهَذا الفَنِّ، هو الفَيلسوف الكَبير «محمد عابد الجابري»، حَيثُ أَنفَقَ عُمره في وَضع سِلسلَة «نَقد العَقل العَربي»، تَضمُّ عِدَّة كُتب، مِنهَا مَا هو مُخصَّص لتَشريح «بِنْية العَقل العَربي»، ومِنهَا مَا يَشرح «تَكوين العَقل العَربي»..! وجَاء بَعد ذَلك الفَيلسوف «سعد كموني»، وألَّف كِتَابًا بعنوَان: «العَقل العَربي في القُرآن».. ثُمَّ تَوَالت الكُتب فألَّف المُستشَار «محمد سعيد العشماوي»؛ كِتَابًا بعنوَان: «حَصَاد العَقل»، كَتب مُقدِّمته الأَديب الكَبير «توفيق الحكيم»، وفي هَذا الكِتَاب تَحدَّث المُؤلِّف -في فصُولٍ عَديدةٍ- عَن حَصَاد العَقل العَربيِّ والإسلَاميِّ..! ثُمَّ جَاء المُفكِّر «يحيى محمد» وألَّف كِتَابًا يَردُّ فِيهِ عَلى «محمد عابد الجابري» بعنوَان: «نَقد العَقل العَربي في الميزَان»، قَال في مُقدِّمته: (رَغم أَنَّ مَشروع نَقد العَقل العَربيّ للمُفكِّر المَغربي «محمد عابد الجابري»، يُعدُّ عَلى قَائمة المَشَروعات الرَّئيسة النَّاضِجَة التي شَهدَتها سَنوَات النَّهضَة الحَديثَة، إلاَّ أنَّه مُصاب بدَاءٍ عضَال، هو دَاء التَّفكير الأيديولوجي، بخِلاف مَا طَمح إليهِ صَاحِبه؛ مِن أَنْ يَجعله مَشروعًا قَائمًا عَلى الاعتبَارات المَعرفيَّة العِلميَّة « الإبستمولوجيا» الخَالِصَة)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نَزعم -لَيس مِن بَاب جَلد الذَّات، وإنَّما مِن بَاب تَعرية الحقيقَة- أَنَّ العَقل العَربي أَصغَر مِن أَنْ تَتنَازع حَوله كُلّ هَذه الكُتب والمُجلَّدات، فهو كالعَقل الهِندي، لَه مَا لَه، وعَليه مَا عَليه!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com