الساعة الثانية بعد منتصف الليل، صوت ضجيج على سلالم العمارة، الصوت يدنو من شقتي، شخص ما يطرق الباب بشدة وكأن دويّ انفجار قنبلة في مكان فناء وهناك أصوات متداخلة لم أستطع أن أميزها من حدتها، شخص يتقدم الجمع ليحطم باب الشقة ولمَ لا وباب شقتي ضعيف لا يحتمل ذاك الجسد الضخم ذا النظرة الحادة والشنب الكث، كُسر الباب وكأن جيشاً غزا الشقة وأنا ما زلت مرمى على سريري لم يسعفني الوقت لأغير ملابسي ولم يسعفني الجهد كي أنهض لأرى ماذا يحدث خارج غرفة نومي، دخل عليّ شخصان يحملان شارة وزارة حماية النظام وسلاحاً يوجهانه إلى رأسي، ثم دخل شخص آخر أكثر هدوءاً وأخف ظلاً، أشار إليهما فأخفضا سلاحهما وتنحيا جانباً، وأجلسني بجواره على سرير وتبسم قائلاً: "نحن هنا من أجلك". جملته أشعرتني ببعض من الطمأنينة وأعادت إليّ جزءاً من الهدوء الذي فقدته من تلك الشارة الحمقاة، ودار في ذهني أنهم جاءوا لحمايتي من شخص ما يريد قتلي، أو ربما حدث شيء ما بالعمارة وجاءوا ينقذوني أو أصبحت شخصاً مهماً واعتليت منصباً رفيعاً للدولة.. ثم قطع تفكيري بكلامه قائلاً: حدثني بصراحة كي نساعدك مما أنت متورط فيه، لجهة من تعمل؟ ولماذا تريد إسقاط الدولة وزعزعة استقرار النظام؟ ما زلت مندهشاً لما يحدث معي والنوم يسيطر على جفوني ولكن وخذة من أحد الواقفين أمامي جعلتني أكثر استيقاظاً وتركيزاً، ثم أغمضوا عيني واقتادوني إلى سيارة لا أعلم حتى لونها، وكانت المسافة قصيرة فلم نسر إلا القليل من الوقت حتى وقفت السيارة وأنزلوني مع الاستقبال الذي كان عبارة عن صفعتين على الوجه وشلوت دفعني للأمام كما يدفع الوقود الصاروخ المنطلق للفضاء. أدخلوني ممراً طويلاً زاد ظلامه من ظلام تلك العصبة التي تخفي عيني، لم أستطيع أن أميز شيئاً سوى صراخ وآهات وكأنني واقف في ساحة تعذيب، تداخلت الأصوات وكأنها لرجل واحد ضعيف خارت عزيمته أمام سوط جلاده، وسرحت بخيالي مع الأصوات لأربطها بما رأيت في الأفلام وما قرأت فيما تبقى لديّ من روايات، فثقلت قدماي وأبطأت خطواتي لكن الوقود الذي دفعني من الخلف بشلوت كان كفيلاً بأن يجعلني جذوة من الحماس. ثم أوقفوني لحظة وأدخلوني غرفة وأجلسوني على كرسي من الحديد ثم رفعوا عني تلك العصابة اللعينة التي كدت أنسى أنني أرى لأجد 4 أشخاص في مواجهتي يحدقون فيّ وكأن شرراً يتطاير من أعينهم، بادرني أكبرهم سناً بكلامه قائلاً: إن ما ارتكبته يستحق الموت وفي أخف الأحكام ستقضي ما تبقى من عمرك وراء الجدران، فما نريده منك هو أن تدلنا عن أولئك الأشخاص والجهة التي تعمل لحسابها ولك منا أن تعود لبيتك آمناً. برهة من الصمت ثم صرخ بأعلى صوته: هل تريد أن تخرب البلد؟ يجب أن يقتل كل أمثالك حتى تتطهر البلد من أمثالكم. وجدت ألا فائدة من الصمت فربما الكلام يغير واقعاً: أنا لم أفعل شيئاً كل ما في الأمر أني ضغطت بالخطأ بالإعجاب على منشور لأحد أصدقائي ينتقد فيه الرئيس فتنبهت إلى تلك المصيبة وتراجعت وألغيت الإعجاب، بل إني قمت بإلغاء صداقته وذهبت إلى أبعد من ذلك بأن حظرته، ضحك آخر ساخراً وقال: نعم نعلم ذلك وأنك أيضاً فكرت في إغلاق حسابك ثم تراجعت في النهاية حتى لا تفقد تلك الفتاة التي أحببتها. قلت له بتردد: أنا لا أحبها أنا معجب فقط بما تنشره على صفحتها، ضحكوا جميعاً وربتوا على كتف بعضهم البعض ثم أضاف قائلاً: إن تلك الفتاة المغرم بها هي مجرد دعابة لأحد الشباب المراهقين وليست فتاة كما تتصور وليس هذا ما جاء بك إلى هنا، إن ما قادك إلى هنا أهم من ذلك بكثير أنت هنا من أجل أمن الوطن وحماية نظامه. وأنا لم أهدد الوطن ولم أسع إلى زعزعة استقراره، فأنا أعمل بنصيحة والدتي منذ 9 أعوام وابتعدت عن كل أصدقائي وعلاقتي بزملائي هي مجرد علاقة عمل ولا نتحدث في أية أمور أخرى حتى الرياضة اعتزلتها خوفاً من أن أشجع فريقاً ويهزم فريق الرئيس المفضل فأقاد إلى الموت بفعل غيري. نعلم ذلك ونعلم أنك كنت تشجع فريق الأوهام الذي يضمر الشر لفريق الرئيس ثم عدلت عن ذلك بعد وفاة أمك وأحرقت كل تي شيرتات وشعارات ذلك الفريق التي كانت لديك ولكنك احتفظت بواحدة ومن حظك أن هذا اللاعب انتقل إلى فريق الرئيس وأصبح لاعبه المفضل. إذاً ما السر في مجيئي إلى هنا فأنا لم أفعل شيئاً ولم أتحدث في شيء، وربما وزارة الضروريات تعلم حتى كمية الهواء التي أتنفسها وكيف تخرج. أنت هنا لأنك هددت الدولة ونظامها وانضممت إلى مجموعة من الشباب المخربين والعملاء وهتفتم بسقوط النظام ونددتم بحكم الرئيس. لا أنا لم أفعل هذا ولم أجرؤ علي ذلك، فأنا أمشي وحيداً وأعيش وحيداً ولا أتحدث مع أحد فكيف أسير في مظاهرة لأهتف ضد ال..... مظاهرة من أين أتيت بهذه الكلمة؟! قرأتها في إحدى الروايات ولم أعِ معناها فبحثت عنها في المعجم وعرفت أنها تعني تجمع عدد من الناس للمطالبة بشيء ما وأنها من الأفعال الشيطانية. قل لي ما الذي يجعلكم تنددون بحكم الرئيس وتخرجون عليه؟ ألم تأكل وجبتك اليوم؟! ألم تأخذ كميتك من الماء التي وهبها لكم الرئيس؟! ألم تتصفح فيسبوك ساعتين في اليوم بالإضافة إلى نصف ساعة كل عيد منحة من سيادته؟! ماذا تريدون أكثر من ذلك؟ إنكم شعب حاقد لا يستحق الترف الذي يعيش فيه؟ يا سيدي نحن نعشق الرئيس........ وما معنى هذا الكلام.... وألقى ورقة في وجهي مكتوباً فيها أنه بلغ وزارة الأحلام واليقظة أن المواطن أ - س كان يسير في الشارع الأكبر ووجد مجموعة من الشباب رافعين لافتات ضد الرئيس ويهتفون بسقوطه ووقف معهم وحمل لافتة تدعو إلى موت الرئيس كان ذلك في الساعة الواحدة و50 دقيقة. أليس هذا صحيحاً؟! نعم يا سيدي ولكن هذا ليس بيدي، ذهبت لعدة أطباء للتخلص من الأحلام أو التوقف عن النوم حتى لا أقلق النظام وكل المحاولات باءت بالفشل ولا أعرف ماذا أفعل.. لكن نحن نعرف ماذا نفعل، طرق بيده على المكتب ليدخل ذاك الرجلان بوجهيهما المخيف وقال: خذوه إلى غرفة الموت. ما تهمتي يا سيدي فأنا..... أقلقت النظام وخرجت على القانون، فالقانون يسمح لك بحلم واحد في العام ويكون احتفالاً بمولد الرئيس. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.