×
محافظة المدينة المنورة

تعدد محاريب المسجد النبوي يثير اهتمام الزوار

صورة الخبر

* في شهر من شهور  ١٣٩٩هجرية عُقد في مدينة فاس المغربية الاجتماع التاسع لوزراء خارجية الدول الإسلامية، وكان لي شرف تمثيل جريدة المدينة في تغطية ذلك المؤتمر،وقد أُبلغنا بأن جلالة الملك خالد بن عبد العزيز سيقوم بزيارة رسمية للملكة المغربية بعد أيام، ولكني ما إن إنتهيتُ من إبلاغ مقررات مؤتمر وزراء الخارجية للجريدة بالهاتف( وهي الوسيلة الوحيدة المتاحة وقتئذ ) بالإضافة إلى التصريحات الخاصة التي تمكنتُ من الإنفراد بها، حتى وجٓه إليّ رئيس التحرير الأستاذ أحمد محمود أمراً عاجلاً ومشدّداً ولا مناص من تنفيذه على الفور، وهو أن أتوجه حالاً ومن غير تردد إلى العاصمة الفرنسية باريس لإنضم للوفد الصحفي المرافق لصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير فهد بن عبد العزيز ( جلالة الملك فيما بعد ) في زيارته الأوربية، التي ستشمل كلا من فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وكان مطلوباً أن تكون تغطيتها على مستوى رؤساء التحرير لأهميتها خاصة وأنه قد نشأت أزمة طارئة كادت تُعكّر صفو العلاقة السعودية الأمريكية بسبب تحفظ الولايات المتحدة في تزويد المملكة بالإسلحة التي تحتاجها، فالزيارة على ذلك يُنظر لها على أنها ذات أهمية خاصة، وكان من المقرر أن يُشارك الأستاذ أحمد محمد محمود رئيس تحرير جريدة المدينة، زملاءه رؤساء التحرير في تغطيتها، ولكن لظرف طارئ  لعله يتعلق بالحالة الصحية لوالده، لم يتمكن من تغطية الزيارة، فأبلغ الجهات المختصة في ديوان سمو ولي العهد ووزارة الإعلام، أن عبد الرحمن الأنصاري هو من سينوب عنه في التغطية.. عندما أبلغني رئيس التحرير بذلك الأمر الصارم بالتوجه على الفور إلى باريس للإنضمام إلى الوفد الصحفي المرافق لولي العهد في زيارته الأوربية تلك، لم يكن أمامي ما سأجعله حجة للإعتذار عن تلك المهمة سوى مصارحته بعدد من الموانع التي تمنعني من القيام بتلك المهمة، وهي  كما يلي : ١) النقود التي معي أوشكت على النفاد، فما بقي معي منها يقل عن ألفي ريال. ٢) اليوم يوم أحد، ومكاتب الطيران مغلقة، ولا حجز لدي لباريس ، فضلا عن عدم وجود تأشيرة لديّ لدخول فرنسا ٣) اللباس الذي أحضرته معي هنا في المغرب هو لباسنا الوطني، وكل ثيابي اليوم قد سلمتها لمغسلة الفندق، وليس لدي من الثياب إلا ما عليّ : ثوب، ومشلح . فرد عليّ رئيس التحرير بقوله: أترك عنك هذه الحجج وتوجه فورا إلى المطار، وحاول أن تجد لك مقعدا على أي خطوط إلى باريس، فقد تم الاتصال بالسفارة السعودية في باريس، وهي قد أعطت اسمك إلى البوليس في مطار شارل ديقول ليمنحوك تأشيرة الدخول، أما النقود فإن الأستاذ تركي السديري رئيس تحرير جريدة الرياض، هو موجود في الوفد، وسيسلمك أي مبلغ تحتاجه، فلا تضيع الوقت .. وانتهت المكالمة، لتبدأ معي أحداث ذلك اليوم ومفاجآتها وهي على النحو التالي : توجهتُ على الفور من مقر انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية في فاس إلى المطار، وليس معي من الثياب إلاّ ما علي: ثوب ومشلح وغترة وعقال، وشنطة يد صغيرة فيها الجواز وبعض الأوراق وجهاز تسجيل صغير.. دخلتُ على مدير المطار وقدمتُ له نفسي، وأبلغته أهمية سفري إلى باريس  في هذه اللحظة، فقال: هل معك عفش؟ فقلت له : لا .. ليس معي إلا ما ترى. فقال: لدينا طائرة ستقلع إلى باريس في أقل من ساعة من الآن، وفيها مقعد محجوز على الدوام لرجال ديوان أمير المؤمنين جلالة الملك، فإذا لم يأت إتصال خلال عشرين دقيقة من الآن بوجود مسافر على ذلك المقعد فسيكون من نصيبك، وسيكلفك نحو ١٥٠٠ريال سعودي،فقلت: هذه أوائل الفرج إن شاء الله تعالى، ودعوتُ الله أن يُشغل رجال الديوان الملكي المغربي عن السفر إلى فرنسا هذا اليوم. في  أقل من عشر دقائق طُلب مني إنهاء الإجراءات بدفع قيمة التذكرة، وسُلّمت لي بطاقة صعود الطائرة على الدرجة الأولى، ليكون جاري رجل أعمال بلجيكي، يتكلم اللغة العربية بلهجة لبنانية مفهومة وغير جيدة ، وقد لفت لباسي إهتمامه بمثل ما لفت به اهتمام ركاب الطائرة الآخرين بل واهتمام إخواننا المغاربة أيضاً، ولا أدري  كيف تصوّر ذلك البلجيكي أن لي من الأهمية ما يمكن أن يفيده، خاصة وأنني مجرد صحفي، لم أتبجّح له بأي ادّعاء كاذب يوحي بثروة أو جاه، وهو من حدّثني عن أعماله الواسعة ، التي تشمل سلسلة من الفنادق، ومنجم نحاس في زئير، ومصنع في بلجيكا لتخليص الماس الخام من الشوائب وتقطيعه ، إلى آخر ما ذكر مما نسيتُ أكثره. والخلاصة أن ذلك البلجيكي استوعب وضعي والمهمة التي أنا ذاهب إلى فرنسا من أجلها، وحديثه معي قصّر مسافة ووقت الطيران بين فاس وباريس التي هي في حدود الساعة وأربعين دقيقة، وقد اصطحبني  إلى البوليس في المطار حيث وجدتُ اسمي قد سبقني، وزاد على ذلك أن اتصل  بناء على طلبي من كبينة من كبائن الهاتف في المطار بالسفارة السعودية، وقد أخبرتُ من رد عليّ من السفارة أني صحًفًي سعودي وفي المطار وأسأل عن ولي العهد الأمير فهد والوفد المرافق له، أين هم الآن وما هو برنامجهم اليوم، وأين ينزل الوفد الصحفي المرافق لسموه؟ فقال: إن الأمير منذ ساعة ونصف من الآن هو في قصر الإليزيه، والوفد الصحفي المرافق له ينزل في فندق كونكورد لا فييت، ويلزمك المرور على السفارة، لكي يتم إرسال تلكس إلى الفندق لإسكانك، شكرته على تلك المعلومات، وودعت صديقي البلجيكي، وتوجهت بسيارة تاكسي إلى قصر الإليزيه، ولم يشك أحد من حراسه أنني من الوفد الرسمي السعودي، ولذا فإن أحدا لم يمنعني من الدخول وما إن دخلتُ ساحة ذلك القصر، إلا وأرى سمو ولي العهد والوفد المرافق له وهم خارجين من الإجتماع مودعين من السلطات الفرنسية، وينطلق الموكب وأنطلق من خلفه طالبا من السائق أن يتوجه بي إلى السفارة السعودية ومن بديع الإتفاق وعجيب الصّدف أن السكرتير الصحفي بالسفارة وهو الأستاذ جواد الصيداوي، هو مراسل جريدة المدينة في باريس وأحد كتّابها، وكان رئيس  التحرير الأستاذ أحمد محمود قد اتصل به وأخبره بقدومي ووصاه بي، فما إن وصلت مقر السفارة السعودية في باريس إلا وأسأل عنه فيقابلني بالآحضان، ويعطيني برنامج زيارة سمو ولي العهد كاملا، وقال : إن غرفتك جاهزة ولكن لا بد لنا من إرسال تلكس إلى الفندق ليعتمد، والتلكس لا بد من توقيعه من أحد مسؤولي السفارة ( وهو بالمناسبة ابن شاعرنا الكبير محمد حسن فقي ويحمل نفس اسمه ) ذهب الأستاذ الصيداوي ليوقّع التلكس، وفيما أنا أطالع الأوراق المبثوثة وعلى غير ترتيب على مكتبه، أقرأ ما يلي ترجمة الحديث الذي أجراه الصحفي  إيريك رولو من جريدة لوموند الفرنسية مع صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ).. فيقشعر  بدني من هول المفاجأة ، ومن هول كيف لي أن ألم بمحتوى ذلك الحديث، خاصة وأن الأستاذ الصيداوي ممكن أن يدخل في أية لحظة؟! الكتابة غير ممكنة بسبب ضيق الوقت، فأهتديتُ إلى أن أُخرج المسجل من حقيبة يدي وأبدأ في قراءة نص اللقاء وتسجيله.. وبدأت أقرأ وأقرأ فإذا المفاجأة الكبرى وهي سيدة في مكتب مقابل لمكتب الصيدوي ليس بيني وبينها إلا زجاج، وقد لا حظت تقليبي للأوراق، فكانت كالمتململة، تهم بالوقوف والنهوض لمنعي، ثم ترجع، وأنا مستمر في القراءة  والتسجيل، وفجأة دخل الأستاذ الصيداوي عند انتهائي  من قراءة آخر سطر من حديث ولي العهد لجريدة ليموند استعجلني الأستاذ الصيداوي في أن يصطحبني إلى الفندق ليطمئن على إسكاني،وقد كان معي إلى أن دخلت الغرفة ، وقال لي ارتح إلى أن أمر عليك في التاسعة لتناول طعام العشاء، وما إن غادر إلا وأُحكم غلق باب الغرفة، وأتخفف مما علي من الثياب، وأُخرج جهاز التسجيل لسماع ما سجلته وكتابته، فإذا كل ما سجلته هو عبارة عن غمغمات وهمهمات، إذا فهمتَ منه جملةً استعمتْ واستعصى عليك فهم عشرات الجمل الأخرى ، ومن غيظي وحنقي على ذلك صرتُ ألطم نفسي ورميْتُ جهاز التسجيل أرضاً حتى تفتت. أخذتُ القلم وبدأت أتذكّر وأكتب ما أتذكر من الحديث وسبحان الله لم يفتني منه سوى الأسلوب الذي كُتبتْ به ترجمته، أما فحواه فقد فتح الله به عليّ إذ بدأتُ أكتبه على هيئة عناوين ومقاطع، وكان حديثاً خطيرا، لم تجر العادة أن يتحدث بمثله السعوديون للإعلام ومن ذلك : * المملكة العربية السعودية كانت أول دولة اعترفت بالإتحاد السوفيتي * نحن أحرار في قرارنا السياسي، وليس لأية دولة على وجه الأرض وصاية علينا * السلاح الذي نشتريه، إنما نشتريه بأموالانا، ولم نتلقاه من أي أحد لا هبة ولا إحسانا * من قال إننا ملزمون بأن لا نشتري السلاح إلا من الولايات المتحدة الأمريكية؟! والحديث جله يدور في في فلك تلك العبارات القوية وغير المألوف الجهر بها للصحافة والإعلام في تلك الحقبة . فلما انتهيتُ من تدوين ذلك على الوجه الذي يُرضيني، اتصلت بسنترال الجريدة، وأعطيته رقم الفندق ورقم الغرفة، على ما جرت به العادة ، ليتصلوا بي وتكون التكلفة على الجريدة لا عليَ قلتُ له أوصلني برئيس التحرير، فأوصلني به، فإذا أبو أنس الأستاذ أحمد محمود، على ما أتخيل من لهجة حديثه، يكاد يتميّز غيظا وغضبا وسخطا، فهو يظن أني لا أزال في فاس وأني لم أتمكن بعدُ من تنفيذ توجيهاته بالسفر إلى باريس أدركتُ ذلك ، فقلت له ضاحكاً : يا أبا أنس  خذ المفاجآت واحدةً واحدة.. أنا الآن في باريس، وفي نفس الفندق الذي ينزل فيه الوفد الصْحفي المرافق لولي العهد.. وقد حدثَ كذا، وكذا، ومعي الآن حديث لولي العهد لصحيفة ليموند يسوى مليون ريال، إذا تمكنا من نشره غداً، فسنسبق به حتى لوموند نفسها، وقد حصلتُ عليه بكذا وكذا.. فقال : والله ! قلتُ : والله العظيم !! قال: وأين الحديث ؟ قلت: هو جاهز  وأمامي. قال : أنا من سأخذه منك ( وبالمناسبة  فإن الأستاذ أحمد محمود، هو من أكفأ الصحفيين ورؤساء التحرير الذين مروا على الصحف السعودية، ويكتب بسرعة متناهية، وفي الوقت الذي يستقبل فيه مادة صحفية عبر الهاتف، يتولى أثناء ذلك ما يلزم لها من التحرير بالحذف والإضافة،  فإذا انتهى منها أرسلها إلى الجمع ، ولم أعرف له شبيها في ذلك إلا زميلا لنا كان معنا في جريدة المدينة اسمه إبراهيم محمد أحمد من السودان، هاجر إلى الولايات المتحدة واستوطنها ) ( عرفتُ فيما بعد أنّ تلك السيدة التي في المكتب المقابل لمكتب الأستاذ الصيداوي، ولا يفصل بين مكتبها ومكتبه سوى فاصل زجاجي، هي السيدة أسمهان، زوجة الأستاذ جواد الصيداوي نفسه، وقد استقبلتنا هي وزوجها في منزلهما في باريس أنا وزوجتي أم ياسر، وأستعدنا ذكريات ذلك اليوم في السفارة، وأكدت على أنها قد همّت بالفعل على اقتحام مكتب زوجها عندما رأتني أقلب الأوراق وأهمهم بكلام مشبوه ! ) الوفد الصحفي المرافق لسمو ولي العهد ، كان وفدا كبيرا، فيه من رؤساء التحرير : الأستاذ تركي السديري، رئيس تحرير جريدة الرياض، والأستاذ رضا لاري، رئيس تحرير عكاظ، ولا أتذكر إذا كان الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة من ضمن الوفد أم لا، ومن ضمن الوفد أبرز مديري مكاتب الصحف في ذلك الوقت مثًل د. فهد العرابي الحارثي، مدير مكتب جريدة الرياض في باريس، والأستاذ عثمان العمير، مدير مكتب جريدة الجزيرة في لندن وفي مساء ذلك اليوم أسمع بين الزملاء وشوشات بمفاوضات أجراها رؤساء التحرير المرافقين لسمو ولي العهد لشراء حق النشر المتزامن لحديث ولي العهد لليموند ، وتشدد ليموند في رفضها لتلك العروض.. أسمع ذلك وأنا ساكتُ ومبتهج  غاية الإبتهاج من داخلي، ليقيني أن ذلك الحديث سيكون منشوراً في جريدتي بعد ساعات، وقبل ليموند نفسها التي أجرته مع ولي العهد توجهنا صباحا إلى المطار في طريقنا إلى بون ( عاصمة ألمانيا الغربية وقتئذ ) سمو ولي العهد في طائرته الخاصة والوافد المرافق لسموه، وعلى رأسه  ( خادم الحرمين الشريفين فيما بعد الملك سلمان بن عبد العزيز ، الذي كان وقتها أميرا للعاصمة الرياض ).  أما الوفد الصحفي والإعلامي المرافق، فقد خُصصت له طائرة جي تو صغيرة الحجم، هي التي نقلت الوفد بعد انتهاء زيارة ولي العهد لأوروبا، إلى المغرب، لتغطية زيارة الملك خالد المرتقبة للمغرب. وصلنا إلى ألمانيا قبل وصول ولي العهد، فمن مطار بون نقلتنا السيارات إلى مقر المستشارية، أما سمو ولي العهد والوفد المرافق له، فقد نقلتهم طائرة مروحية من المطار إلى مبنى المستشارية في بون حيث الإستقبال الرسمي في المستشارية وليس في المطار ، كما هو العُرف هنالك .. * المفاجأة التي كنتُ أنا سببها لموكب ولي العهد : لم  يكن أحد في الوفد السعودي  كله يلبس الزي الوطني، إلاّ : ١) المذيع : علي الخضيري (الدكتور فيما بعد) ٢) الصحفي عبد الرحمن الأنصاري أما المذيع علي الخضيري فإنه  كان يلبس الزي السعودي الوطني في حالة تسجيله رسالته التلفزيونية عن نشاطات واستقبالات سمو ولي العهد، ثم يخلعه، ويلبس كما يلبس الناس جميعا هنا في ألمانيا و أوروبا.. أما الصحفي عبد الرحمن الأنصاري، فهو مقيم على لباسه الوطني ما أقام عسيبُ، لسبب بسيط وهو أنه ليس معه غيره.! وبعد انتهاء مراسم استقبال ولي العهد والوفد المرافق له في المستشارية الألمانية ببون،وانتهاء المباحثات التمهيدية، توجه موكب سمو ولي العهد إلى الفندق المقرر لنزوله والوفد المرافق له، وقد صادف ذلك خروج طلاب المدارس من مدارسهم، وقد استرعى انتباه التلاميذ والمارة منظر ولبس هذا الشخص المنفرد بلبس ملابس لا يلبسها أحد في طول ألمانيا وعرضها، ولم يكن ذلك الشخص سوى عبد الرحمن الأنصاري، وقد كان ذلك هو السبب في تعطل الموكب وتأخر وصوله، وقد أُبلغ سمو ولي العهد أن سبب ذلك الإرباك الذي كان من طلاب المدارس والمارة، هو التفرج على أحد أعضاء الوفد المنفرد بلباسه الوطني * وفي مساء ذلك اليوم، كما هو في كل أمسيات الزيارة كان لنا معاشر الصحفيين والإعلاميين ، زيارة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز في جناحه الأسطوري الفخم في الفندق ، وكان الحديث كله يدور عن السبق الصحفي الذي أحرزته جريدة المدينة بنشرها فحوى حديث ولي العهد لليموند الفرنسية، الذي لم يكن رئيس تحرير، وفوق ذلك جاء إلى باريس متأخراً! وقد تناقلت الحديث وكالات الأنباء العالمية وبث التلفزيون السعودي منشتات الصفحة الأولى من جريدة المدينة على كامل  الشاشة، وكانت تلك المنشتات على ٨ أعمدة من الجريدة وكلها عن حديث ولي العهد .. وقد بلغ الأمر بالأستاذ رضا لاري، رئيس تحرير جريدة عكاظ، أن قال لسمو الأمير سلمان بن عبد العزيز أثناء وجودنا في جناح سموه : نحن نطلب منكم يا سمو الأمير، أن تُلزمو الأنصاري بأن يذكر الطريقة التي حصل بها على اللقاء الذي أجرته ليموند مع ولي العهد، خاصة وأنها رفضت كل عروض النشر المتزامن مع نشرها للحديث ؟!! فنظر إليَّ  سمو الأمير سلمان ، كأنه مستفهما. فقلتُ له : يا سمو الأمير، إن أمرتني بذكر الطريقة التي حصلتُ بها على ذلك الحديث، فلن يسعني إلا الأستجابة لرغبتكم الكريمة، ولكن إن رأيتم سموكم أن يكون ذلك بيني وبينكم، فهو سيُبقي الأمر في حدود المنافسة والسبق الصحفي؟ فقال سموه : لا هو منافسة وسبق صحفي .. كلام صحيح . ( فيما بعد أبلغني سمو الأمير سلمان، توجيهاته السديدة فيما يتعلق من محاذير الطريقة التي حصلتُ بها على الحديث ونشره، معرباً عن مخاوف احتجاج محتمل من ليموند بتسريب الحديث إلى جريدة المدينةً، وقال سموه : إن الأحتمال الأسوأ أن لا تنشر الجريدة الحديث احتجاجا على تسريبه ) . ولكن الله سلم  لقد كان الأمير سلمان بن عبد العزيز إعلامي بكل ما تحمله الكلمة من معنى مثلما هو رجل الدولة من الدرجة الأولى، وتوجيهاته السديدة ، قد شملت الكثيرين ممن عملوا في الحقلين الصحفي والإعلامي في بلادنا، بل وفي غيرها من صحفيي العالم العربي) وفي نفس الليلة أبلغني الأستاذ تركي السديري قائلا : إن سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز، يبلغك تقدير سمو ولي العهد ، وتقدير سموه الخاص لوطنيتك التي جعلتك تلتزم بلباسك الوطني ، ولكن لدواعي أمنية ، ومثل ما رأيت من طلاب المدارس، فإن سموه يرغب أن لا تلبس ما يلفت الإنتباه، وقد يسبب ما لا نرغبه فقلت للأخ تركي السديري : وأنا أقدر ذلك لسمو ولي العهد وسمو الأمير سلمان، ولكن الأمر لا يتعلق بالوطنية، وإنما سببه أني تركتُ حقيبة ملابسي في فاس بالمغرب، وقد انتهت كل النقود التي كانت معي، ولم يبق لدي ما أشتري به ملابس، وقد قلت ذلك لرئيس تحرير جريدة المدينة الأستاذ أحمد محمود، وقد قال لي: ما تحتاجه من النقود سيعطيه لك الأخ تركي السديري وبعد أقل من ساعة من ذلك الحوار بيني وبين الزميل تركي السديري، جاء مظروف من سمو الأمير سلمان لكل واحد من الوفد الصحفي وبمبلغ محترم من الدولارات وقد جرت العادة أن ( الشرهات ) التي يتلقاها الصحفيون والإعلاميون في أمثال هذه المناسبات، إنما تكون غالبا في نهاية الزيارة وليس أثناءها أو منتصفها.. ولكن الجميل في الأمر هو  يقين الزملاء أن ترك زميلهم الأنصاري لحقيبة ملابسه في فاس، هو السبب في تعجيل تلك الشرهة السخية * وفي  العاصمة الإيطالية روما ،بينما  كنا معاشر الوفد الصحفي في البهو الرئيسي للفندق الذي ينزل فيه ولي العهد والوفد المرافق له ، وقوفا ننتظر خروجا مرتقبا لولي العهد، إذا سموه ومعه سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز والسفير السعودي، يلتفتُ ويراني لابسا لباسا غربيا معتبرا، فإذا سموه ينظر  إليّ  رافعاً سبّابته قائلا : ( غَيَّرتَ . أشهد أن لا إله إلا الله ) !!