تتزايد الضغوط المالية على تونس بعد خمس سنوات من الثورة التي طالبت بتوفير سبل العيش الكريم للتونسيين، وذلك مع تراجع المداخيل في قطاعات مهمة كالفوسفات والسياحة، مما أجبر البلاد على الاقتراض بشكل متزايد جعل بعض المراقبين يتخوفون من عدم قدرتها على السداد. وقد عكس خطاب رئيس الوزراء الجديد يوسف الشاهد صورة الوضع المتردي، حينما أعلن أمام البرلمان عن ارتفاع عجز الموازنة وتراجع النمو وتقلص مخزون العملة الصعبة وتراجع قيمة الدينار، مقابل ارتفاع المديونية إلى 62% من الناتج المحلي الإجمالي. ففي العام الجاري بلغت المديونية 56 مليار دينار (25.5 مليار دولار)، وكانت قبل خمس سنوات لا تتجاوز 25 مليار دينار (11.5 مليار دولار). وذهبت تلك القروض -وأغلبها آت من الخارج- لسداد أجور الموظفين المتزايدة وقروض سابقة وبنسبة ضئيلة للاستثمار. وبسبب اختلال توازناتها المالية الناتج عن تعاظم النفقات وانحدار المداخيل، لجأت تونس مؤخرا وللمرة الثانية بعد الثورة لطلب قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.9 مليار دولار، بعدما كانت قد تحصلت على قرض قبله سنة 2013 يبلغ 1.74 مليار دولار. لكن صندوق النقد لم يفرج عن القسط الأول من القرض الثاني، مشترطا على الحكومة التونسية التخفيض من أجور الموظفين المتضخمة بسبب الزيادات المتتالية في الرواتب، إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي بينما تبلغ حاليا 16%. جدولة الديونوزاد هذا التعطل من الضغوط المالية ولا سيما مع حلول أجل تسديد قرض قطري بقيمة خمسمئة مليون دولار تحصلت عليه تونس عام 2012، مما جعلها تطلب قبل ثلاثة أشهر إعادة جدولة هذا الدين. وقد قبلت دولة قطر وأمهلت تونس خمس سنوات أخرى للسداد.سعيدان يتوقع إعادة جدولة الديون إذا استمرت الصعوبات الاقتصادية الراهنة (الجزيرة) لكن هذا الطلب لم يمر دون أن يخلف تساؤلات لدى خبراء اقتصاد لم يستبعدوا أن تدخل تونس في مرحلة طلب إعادة جدولة ديونها، ولا سيما أنه مع حلول سنة 2017 يأتي موعد سداد ديون أخرى تبلغ ثمانية مليارات دينار (3.6 مليارات دولار). ويقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان -للجزيرة نت- إن تونس قد تتجه لطلب إعادة الجدولة من دائنين آخرين في حال تواصلت حدة الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، والتي قد تجعلها عاجزة عن سداد ديونها المستحقة للمؤسسات المالية والدول. وإذا واجهت تونس هذا السيناريو فإنها -كما يرى سعيدان- "ستجد نفسها مجبرة على التفاوض مع الجهات المانحة لتأخير آجال تسديد قروضها، وطلب قروض مالية جديدة بنسب فائدة مشطة (مبالغ بها) لأن الدائنين سينظرون إليها بنظرة خاصة جدا بحكم ارتفاع مخاطر إقراضها مجددا". حلول تمهيديةلكن عضو اللجنة المالية النائب عن حركة النهضة في البرلمان التونسي سليم بسباس، قلل من تلك المخاوف رغم إقراره بوجود صعوبات اقتصادية قال إنها نتيجة ظرف عالمي صعب. ورأى أن حجم المديونية ليس مفزعا ويبقى في مستويات معقولة مقارنة ببعض الدول.بسباس: حجم المديونية ليس مفزعا (الجزيرة) وقال بسباس للجزيرة نت إن الهدف من تشكيل حكومة وحدة وطنية يقودها يوسف الشاهد هو العمل على اتخاذ إجراءات تمهيدية لا يمكن لحكومة عادية أن تتخذها، من أجل إنقاذ الاقتصاد. ومن بين تلك الإجراءات التي تحدث عنها بسباس، أن تتفاوض الحكومة مع اتحاد الشغل (أكبر نقابة عمالية) لتجميد اتفاقات سابقة للترفيع في رواتب الموظفين التي تسببت في تفاقم عجز الموازنة، والترفيع في سن التقاعد وفي مداخيل المساهمات في الصناديق الاجتماعية. وإلى جانب ذلك ستتخذ الحكومة إجراءات جديدة للتخفيض من الدعم الحكومي للمحروقات وبعض السلع الاستهلاكية بهدف تعبئة موارد جديدة للموازنة، هذا فضلا عن تخطيطها لدفع الاستثمار ودعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة لإعادة تنشيط الاقتصاد، بحسب قوله. ونفى بسباس -الذي كان سابقا وزيرا للمالية- وجود أي توجه حكومي لبيع مؤسسات الدولة مثل شركة الكهرباء والغاز أو شركة توزيع المياه استجابة لشروط صندوق النقد، قائلا "لا يوجد تفويت (بيع) شركات إستراتيجية للدولة، وكل ما طلبه منا صندوق النقد هو الحد من الرواتب".