×
محافظة المنطقة الشرقية

استمعوا إلى الروائيين كما تستمعون إلى السياسيين!

صورة الخبر

حرّم الله الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده وتوعّد بالعذاب الشديد لمن ينحرف عن الطريق السليم وأمر أنبياءه ورسله بذلك، ومن ضمن ما نهى الله عنه وحرَّمه الكذب والاحتيال وغش الناس بأسلوب متقن في تعاملات البيوع والشراء أو في عدم أداء الأمانات إلى أهلها، وها هو القرآن يرسم طريق الرشاد والهدى بقوله تعالى «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً»، وما انتشر الإسلام في أصقاع المعمورة وأصبح إمبراطورية عظيمة إلا لأنه دمر كل رموز الشرك والظلم والخديعة وانتشر بالعدل والمساواة والصدق والمعاملة الطيبة من قبل المجاهدين والعلماء والتجار كسفراء فوق العادة للإسلام في كل جهات الدنيا؛ فأسلمت الأفواج حبّاً وكرامة وانتصر مبدأ عمر بن الخطاب الذي كتب عصراً جديداً وفجراً جميلاً بعد ظلمة موحشة بتعامله مع الرعية قبل الأمراء ومع الفقراء قبل التجار، فأنشأ دواوين القضاء ووزع مختصين مهمتهم فقط المراقبة والتوجيه، وما قصة تلك الفتاة مع أمها ببعيدة حينما كان عمر الفاروق يتفقد الرعية في الليل فسمع الأم التي أمرت ابنتها بخلط الحليب مع الماء، فقالت الفتاة إن عمر منع الغش فقالت الأم إنه لا يرانا، فقالت الفتاة إذا لم يَرَنا عمر فرب عمر يرانا، فانبسط عمر وأعجبه صدق ودين الفتاة وفي الصباح استدعاهما وزوّج الفتاة ابنه!! أين نحن من ذلك العهد؟ مع ما نعيشه من تخلُّف وتشرذم، فلا نحن تمسكنا بديننا ولا نحن استفدنا من الثروات التي أغدقها الله علينا، وكل ذلك بسبب الزيف والخداع في تعاملنا مع بعضنا، وحَسِبنا ذلك فخراً وعزة، فها هي المطاعم تبيعك لحوماً فاسدة وبطرق محرمة وتخلطها مع لحوم الكلاب والقطط والقرود والحمير والزبون المسكين يأكل على أنها خرفان وبقر، ولستَ ببعيد عن من يبيعك الأسماك المتعفنة المستوردة من البرازيل وأمريكا الجنوبية وهي أردأ أنواع الأسماك السامة، يتم تصديرها فقط للدول العربية خاصة المملكة، ونحن نأكل «السم الهاري» بغباء كبير دون معرفة المصدر وبعد ذلك نشتكي من الأمراض!! ثم انظر إلى شركات ووكالات السيارات بأنواعها وأسعارها العالية وقطع الغيار المقلد وسوء الصيانة والتكلفة الغالية، ولا ننسى استيراد التجار للمنتجات الصناعية والكهربائية ومواد البناء وأجهزة الاتصال غير المطابقة لأقل المواصفات القياسية السعودية، فهي غير آمنة وتسبب الكوارث والحرائق وأيضاً الغش في قطع الذهب والفضة وحشوها بمعادن حتى يثقل وزنها ويزيد سعرها، ولا تنسَ يا صديقي التقليد والاحتيال في ماركات الملابس والساعات والعطور المختلفة والتلاعب في مصدر المنشأة، والأخطر من ذلك يا عزيزي تلاعب الفاسدين في المواد الغذائية وتاريخ نهاية الصلاحية، وأيضاً حدِّث ولا حرج في المجال الصحي ستجد «الغُلْب» وكوارث الشهادات المزورة لمنسوبيها، وبالتالي كثرة الأخطاء الطبية، هذا غير الإهمال في مراقبة وصناعة الأدوية والصيدليات، وأيضاً لابد أن تعلم أن الفساد والغش في المجال الزراعي مثل استخدام السماد الكيميائي السام وطرق الزراعة التي تفسد المحاصيل الزراعية، كل هذا يحصل ولا حياة لمن تنادي، فهذا الخطر محدق بنا في كل ما حولنا، فهو أخطر من امتلاك السلاح النووي في أيدي أعدائنا ولذلك وجب التنويه!! وحتى لا نفقد الثقة في المسوؤلين فتاريخنا مليء بشخصيات حاربت الفساد وأدت الأمانة وقامت بدورها، فكان لابد من الإشارة إليهم مثل القصيبي وزكي يماني والفارسي وأخيراً الدكتور توفيق الربيعة الذي من الواجب استنساخ تجربته في وزارة التجارة على كافة قطاعات الدولة الخدمية، ولأن السوق السعودي يعد إرثاً ثقيلاً كان من الضروري التعامل المثالي مع متطلبات العصر ومتغيرات السوق الجديدة من خلال استخدام وسائل التقنية وبنظام يفاجئ التجار وتشديد الرقابة وتطبيق المعايير الرقابية، إضافة إلى تطوير وتدريب المختصين وتحديد المسؤوليات اختصاراً للوقت وزيادة لحجم العمل، ومن هنا قامت الحكومة بإصدار نظام مكافحة الغش التجاري ولائحته التنفيذية عام 1405هـ بسبب الزيادة السكانية وتوسع السوق والاستهلاك المتزايد للمنتجات والتطور الكبير في مجالات الصناعة، فكان لابد من فرض عقوبات صارمة مقرونة بعقوبات مقيدة للحرية وغرامات تصل إلى مليون ريال والسجن مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات لكل من خدع أو شرع في الغش في ذات السلعة وطبيعتها أو الإعلان عنها وعرضها بأسلوب كاذب وإخفاء عيوبها. ولابد من تفعيل جمعية حماية المستهلك ومكافحة التستر التجاري والتعامل مع البلاغات بشكل حازم ومنح مكافآت مجزية لمن يبلِّغ عن عمليات الغش وحمايته إضافة إلى دور الغرف التجارية والأمانات في مراقبة وتوعية التجار وتبصيرهم بطرق الغش للمنتجات الواردة من الخارج، وكذلك إعادة مراجعة الإجراءات الجمركية وتطوير مستوى الأداء ومراقبة المنافذ الرسمية والتنسيق بين الجهات الحكومية المعنية حتى يتم القضاء على بعض من هذا الغول الفاسد ولنكن يداً واحدة كالبنيان المرصوص يشد بعضنا بعضاً وبمبدأ «من غشنا فليس منا»، وهذا هو العنوان الأبرز حتى تنهض الأمة وتكون خير أمة أخرجت للناس.