يشعر اللبناني في هذه الأيام بأنه في حال انعدام وزن وانعدام رؤية. لا رأس لبلاده. لا دولة ترعى شؤونه كبيرها وصغيرها... من صحته ورفاهه، إلى مستقبله وطمأنينته. كرسي الرئاسة فارغ بعدما جعلوه مفرّغاً. الحكومة بدورها فارغة إلا من الكلام والخلافات، لا تستطيع معالجة شأن حياتي ملحّ كالنفايات التي جل ما حاولت وتحاول أن تفعله هو نقلها من مكان إلى آخر! ومجلس النواب لا يجتمع إلا بأجزاء منه هي اللجان التي لا تتوصل إلى أي حل لكل ما تناقشه. أما جلسات انتخاب الرئيس فصارت مثل مسلسل طويل لا ينتهي، وحلقاته ممجوجة مكررة لا تجذب أي «مشاهد». السياسة فقدت وظيفتها الحقيقية في رعاية شؤون الناس وتدبير أمورهم، وتحصين البلاد من أي رياح قد تهب عليها في منطقة تشهد تغيرات دراماتيكية هي أشبه بالزلازل المتلاحقة، اللهم إلا إذا أعطينا السياسة مفهوماً لبنانياً جديداً هو توسّل السلطة لتسهيل «البيزنس» على أنواعه، من استيراد المحروقات، إلى رفع النفايات، إلى استخراج مؤجل للنفط والغاز، إلى الالتفاف على الشبكات الشرعية لبيع الناس خدمة الإنترنت من خارج إطار الدولة... إلى سائر الاحتكارات في ذلك الحلف الخبيث الماكر بين أهل المال وأصحاب النفوذ. لا عجب والحالة هذه أن يشعر اللبناني بالضياع والخوف، ويفكـــر كثر في الخروج من وطنهم إلى بلاد الله الـــواسعة. بل إن كثـــراً ممـــن عادوا إلى لبنان بعد سنوات الحروب المتعددة غادروه مجدداً أو يفكرون في ذلك. والشـــباب المتخرجون من الجامعات ينظرون حولهم فلا يجدون إلا فرص عمل ضئيلة يظفر بها أصحاب الحظوة، أو أنها لا تفي دراساتهم حقها ولا تعود عليهم بعائد مجزٍ يسمح لهم بالعيش الكريم. أيـــن فســـحة الأمـــل فــي هـــذا الأفـــق المسدود؟ هل ننتظر انتهاء هذه الحرب العالمية الثالثة الدائرة من حولنا لننعم بقليل من الاستقرار؟ هل من عاقل يخال أن اللبنانيين لديهم قدرة على انتظار من جمر قد يستمر سنوات؟ وفي المقابل، هل من أمل في أن يقوم القادة السياسيون العظام بمبادرة تاريخية تحقق «الاستقلال – 2»، كما سماه السفير البريطاني لدى لبنان هيو شورتر، وتنقل لبنان أخيراً إلى خانة «الدولة المستقلة ذات السيادة»؟ سؤال في الفراغ في بلد الفراغ القاتل. جوزف السرّوع