تداهمك دمعة فجأة وأنت تتجول في بساتين قرية عين شمس 20 كم شمالي مكة المكرمة، وتشعر بالرهبة في الموقع الذي أصبح موحشا بعد أن سكت هدير «مواطير» المياه وهجر الأهالي القرية فتحولت المزارع إلى موقع يكتنفه الصمت إلا من صوت العصافير التي ما زالت تسكب الضجيج بين أشجار تموت واقفة. وأجمع عدد من سكان القرية أن عين شمس كانت في السنين الخوالي بمثابة سلة خضراوات لأهالي مكة المكرمة وجدة ولكن مع جفاف الآبار تحولت المزارع إلى هشيم تذروه الرياح، كما أن البساتين كانت منطقة جذب للباحثين عن الهدوء بعيدا عن ضجيج المدن. وفي هذا السياق أوضح العم عابد غالي اللحياني 65 سنة وهو يسترجع شريط الذكريات أن بدايات الزراعة كانت تعتمد على مياه الأمطار والسيول المنقولة من أعالي القرية والهجر المجاورة وهي ما تعرف بالزراعة «العثري» حيث كانت هناك أحواض لبعض الورقيات كالملوخية والجرجير والبامية والحبحب والخربز في مواسمه وبحسب كمية الأمطار. واستطرد العم عابد كنا في السابق نغتنم موسم الأمطار والسيول بزراعة ما تحتاج إليه أسواق مكة وجدة وكانت الأرض تجود بما فيها من خيرات تعم أهل القرية رغم البساطة وقلة المعدات الزراعية الحديثة وكان المزارع يفلح أرضه من بداية بزوغ الشمس حتى وقت غروب الشمس ويجهد نفسه من أجل محصول وفير يساعده على مواجهة قسوة الحياة في ذلك الزمن. وأضاف ابن غالي: كانت أول بئر حفرت في القرية في عام 1377هـ، وهي للمرحوم مطيع الله بن ضيف الله، وعلى عمق 20 مترا ووجد الماء عذبا وبغزارة تفي بحاجة الفلاحة، ومن بعدها توالت حفر الآبار في القرية وزادت الرقعة الخضراء في القرية حتى غدت بساتين غناء ومقيالا يقصده أهالي مكة. من جهته، أوضح محمد عطية اللحياني الذي كان يعمل مع والده أن عين شمس كنت جنة الله في أرضه فيها الماء العذب والتربة الخصبة والأيدي العاملة التي لا تعرف الكسل ولا تطيق السهر، كنا نستيقظ قبل الفجر نصلي ثم نتجه إلى حقولنا الزراعية يحدونا الأمل بيوم أفضل حالا من سابقه، نبدأ يومنا بلقمة هنية بين حقول الخضراوات ثم نبدأ بعمل شاق يختلط فيه العرق بالتراب بحرث الأرض مرة وجني وجمع المحصول مرة أخرى. وذكر العم محمد عطية مسمى بئر والده ــ رحمه الله ــ التي كانت تعرف بالعسيلة لعذوبتها وأضاف بقوله «لم يكن في ذلك الزمن أي نوع من الآلات الزراعية المتطورة التي نعرفها اليوم وكنا نعمل حتى وقت صلاة الظهر ثم بعد ذلك نتناول الغداء ونكمل ما تبقى من عمل اليوم حتى آذان المغرب، بعد ذلك يتوجه الجميع إلى المسجد للصلاة ثم تناول العشاء ونختم يومنا بصلاة العشاء والنوم مباشرة». من جانبه، أوضح مصلح عطية اللحياني أن محاصيل عين شمس كانت تذهب يوميا بـ «اللواري» إلى أسواق مكة المكرمة في حلقة الخضار بجرول وبوسط البلد في جدة وكانت أجرة التحميل آنذاك 20 ريالا للحملة الواحدة وكان المزارع لا يستطيع تحمل تكلفة أجرة اللوري لوحده حيث كنا نتشارك في تحمل الأجرة وسائق اللوري مفوض بالبيع للجميع وكان يسجلها في ورقة لكل محصول على حده. وختم حديثه العم مصلح بسبب ندرة المياه في عين شمس ترك الأهالي مهنة الزراعة واتجه الأغلبية للوظائف الحكومية والقطاع الخاص.