د.عارف الشيخ الزواج وبالأصح النكاح هو من سنن الفطرة، وقد رغب الله تعالى فيه فقال: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة..، (الآية 21 من سورة الروم). وفي الحديث الشريف: (النكاح من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني). إذن فإن الله تعالى شرع النكاح لا لقضاء الوطر الجنسي فقط، بل لإعفاف النفس وليكون وسيلة للذرية ولإرضاء غريزة الأمومة والأبوة، وللتعاون على مطالب الحياة ولغير ذلك من الحكم كما يقول الدكتور أحمد الشرباصي في كتابه يسألونك في الدين والحياة. والفقهاء قدروا حاجة الإنسان إلى النكاح، فمن الناس من يكون النكاح في حقه واجباً إذا كان قادراً عليه وخاف الوقوع في الحرام. ويكون النكاح مستحباً لمن مالت إليه نفسه، ولكنه آمن في نفسه فلا يخاف الوقوع في الفواحش. ويكون النكاح محرماً إذا كان الرجل عاجزاً عن القيام بواجبات الزوجة جنسياً أو مادياً أو غير ذلك. وبالطبع لا فرق بين الزوج والزوجة في هذه الأحكام، لأن كلاً منهما عليه أن يؤدي الدور نفسه تجاه الآخر، ولم يفرق بينهما إلا في كون الرجل المسلم يجوز له أن يتزوج الكتابية. ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج الكتابي غير المسلم، لأن الأولاد يتبعون الأب من حيث النسب ولا ولاية لغير المسلم على المسلم، قال تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم..، (الآية 221 من سورة البقرة). وقال تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان..، (الآية رقم 5 من سورة المائدة). وبالمناسبة قال لي أحدهم: هل الصحابة تزوجوا الكتابية؟ أقول: نعم ثبت أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه تزوج مسيحية واسمها نائلة بنت الفرافصة، لكنها أسلمت بعد زواجها، وفي زمن سعد بن أبى وقاص، رضي الله تعالى عنه تزوج الكثيرون من نساء أهل الكتاب، حتى أن جابر سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال: تزوجنا بهن زمن الفتح مع سعد بن أبي وقاص، (انظر فقه السنة لسيد سابق ج2 ص 100). يقول الدكتور أحمد الشرباصي: ولعل الحكمة من إباحة هذا الزواج هي تهيئة الفرصة أمام التعارف الإنساني بين المسلم والمرأة غير المسلمة. وفي المقابل كره بعض الفقهاء مثل هذا الزواج لأن اختلاف الدين يؤدي أحياناً إلى الخلاف والشقاق، وربما أدى إلى أن تبقى بنات المسلمين من غير زواج. ولكن هل هذا الحكم باق إلى يومنا هذا؟ بمعنى هل ينطبق على الكتابية المسيحية واليهودية اليوم ما كان ينطبق عليها في العصور الأولى؟ أقول: نعم تظل الكتابية كتابية، وتظل غير الكتابية وهي التي لا تدين بدين سماوي محظورة إلى يومنا هذا، لأن العبرة بالكتاب أن يكون أحد المنزلات الأربعة: زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وقرآن محمد، عليهم الصلاة والسلام. فالكتاب السماوي يظل سماوياً حتى لو دخله التحريف، لأن العبرة بأصل المنزل، حتى أن بعض الفقهاء أجاز نكاح المجوسية لأن المجوس هم قوم بين اليهود والنصارى، وليس لهم دين، وقال مجاهد: هم فرقة من أهل الكتاب يقرأون الزبور، ويقول القرطبي: والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكر من العلماء أنهم موحدون ويعتقدون تأثير النجوم وأنها فاعلة، وقال الرازي إنهم يعبدون الكواكب. وبناء على هذا ذهب قوم إلى أن المجوس أصحاب كتاب دخله التحريف، فهم يتساوون مع اليهود والنصارى، ويصح الزواج منهم وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة وصاحباه. والمروي عن الشافعية والحنابلة أنهم إن وافقوا أهل الكتاب في أصول الدين فهم منهم وإلا فهم من عباد الأوثان (انظر فقه السنة ج2 ص 103-104).