تنبأ تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بوقوع 10 حروب في المنطقة قد تتسبب فيها الحرب ضد «داعش» التي تقودها أميركا وحلفاؤها. ويضيف التقرير في مقدمته: «هناك حروب محتملة أكثر من هذه بلا شك. بعضها قد بدأ بالفعل، والبعض الآخر قد لا يحدث قط؛ ولكن أية واحدة منها يمكن أن تزيد فرص»الدولة الإسلامية«في البقاء، وتؤدي إلى استمرار الظروف التي مكنت التنظيم من الازدهار، وربما يؤدي ذلك إلى أن تعلق الولايات المتحدة في المنطقة لسنوات عديدة قادمة. الحرب الأولى: بين القوات الكردية السورية المدعومة من أميركا والقوات العربية المدعومة من تركيا هذه واحدة من الحروب التي بدأت بالفعل، وهي إحدى الحروب الأكثر تعقيداً أيضاً. تركيا، التي تخوض حرباً على أرضها ضد الأكراد الأتراك الذين تصنفهم أنقرة بأنهم إرهابيون، كانت قد راقبت عن كثب كيف استفاد الأكراد السوريون من دعم الولايات المتحدة لتوسيع سيطرتهم على شمال شرق سوريا. وتعارض فصائل المقاومة السورية المتحالفة مع تركيا التوسع الكردي، الذي بدأ في التعدي على المناطق العربية. لذا كان من الواضح أن الأكراد كانوا هدفاً مثل «داعش» تماماً بسبب عبورهم الضفة الغربية من نهر الفرات. اندلع القتال منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة طلبت من كلا الجانبين وقف القتال، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان لدى أميركا ما يكفي من النفوذ لمنع النزاعات المتفاقمة بين حلفائها المتصارعين. الحرب الثانية: بين تركيا والأكراد السوريين هذه الحرب، لو حدثت، ستكون مشابهة للحرب رقم (1)، ولكن أكبر. في الوقت الراهن، اقتصرت تركيا في توغلها في سوريا على منطقة من سوريا تحتلها «داعش» هي في معظمها عربية بالأساس. لكن تركيا قلقة بالقدر ذاته من دولة كردية ناشئة بحكم الأمر الواقع على طول شريطها الحدودي باتجاه أقصى الشرق. أعلن الأكراد منطقة حكم ذاتي هناك في وقت سابق من هذا العام، وتبني تركيا الآن جداراً على طول الحدود في محاولة لإغلاقها. إذا استمرت هذه التوترات، فلا يمكننا استبعاد التدخل التركي المباشر للمنطقة الكردية - حيث يوجد عدد صغير من القوات الأميركية. الحرب الثالثة: بين الأكراد السوريين ونظام بشار الأسد يشعر نظام بشار الأسد أيضاً بالتهديد بسبب طموحات الأكراد الإقليمية. حتى وقت قريب، كانت الحكومة والأكراد في سوريا، محافظين على تحالف غير مستقر، وتباهى بشار الأسد في عدد من المناسبات أن نضامه يمد الأكراد بالسلاح. ولكن العلاقة قد توترت منذ إعلان الأكراد الحكم الذاتي، كما أن الطرفين خاضا معارك قصيرة في المناطق التي يملك الاثنان فيها قوات. أُعلِن الآن وقف إطلاق النار، ولكن الطموحات الكردية للحكم الذاتي تقف على خلاف مباشر مع الهدف المعلن من قِبل الأسد بإعادة تأكيد السيادة السورية على كافة أنحاء البلاد. الحرب الرابعة: بين الولايات المتحدة وسوريا هذه حرب كان يمكن أن تندلع في عدد من المناسبات في السنوات الخمس التي مرت منذ دعا الرئيس أوباما إلى الإطاحة بالأسد للمرة الأولى، ويُعَد عدم حدوثها شهادة على أن الجانبين يريدان تجنُّب الصراع. لا يزال اندلاعها أمراً مستبعداً، ولكن هناك عدداً من خطوط الجبهة التي يمكن أن تؤدي عندها الحرب على «داعش» بالقوات المدعومة أميركياً إلى مواجهة مباشرة مع قوات النظام السوري. ومن بين هذه الخطوط مدينة الرقة، العاصمة السورية للدولة الإسلامية، حيث كانت الولايات المتحدة والنظام يدعمان جبهات متصارعة من اتجاهين متعاكسين في يونيو/حزيران الماضي. وفي الشهر الماضي، سارع الجيش الأميركي إلى الدفع بطائرات لمنع الطائرات الحربية السورية من قصف الأكراد. الحرب الخامسة: بين تركيا والنظام السوري حتى الآن، اقتصر التدخُّل التركي في سوريا على محاربة «داعش» والقوات الكردية. وقد اتخذت تركيا خطوات لرأب الصدع مع كل من روسيا وإيران، أهم حلفاء الأسد، الذي يبدو أنه قد أعطى الضوء الأخضر لتدخل تركيا في شمال سوريا. إذا سارت معركة تركيا ضد الدولة الإسلامية على ما يرام، ستجد القوات التركية نفسها قريباً في مواجهة خطوط جبهة النظام السوري حول حلب، المدينة المتنازع عليها. يمكن لهذا أن يسبب فوضى كبيرة. الحرب السادسة: بين الأكراد العراقيين والحكومة العراقية وعندما نتحرك شرقاً من سوريا على طول حدود «داعش» المتناقصة في العراق، فإن الوضع يصبح، إلى حد ما، أقل تقلباً على المدى القريب، لكنه ليس أقل تعقيداً أو خطورة. وكما وسَّع الأكراد السوريون المناطق التي تقع تحت سيطرتهم بطرق تتحدى نظام الأسد، فإن الأكراد العراقيين قد امتدوا إلى مناطق في العراق كانت تحت سيطرة الحكومة العراقية. وتقول الحكومة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة إنها تعتزم استعادة المناطق التي كانت «داعش» قد سيطرت عليها تماماً، ومن جانبهم، قال الأكراد المدعومون من الولايات المتحدة إنهم لن يدعوا أي منطقة سال عليها دم كردي تفلت من أيديهم. هذه الخلافات تسبق وجود «داعش»، لكنها ستطفو على السطح من جديد بمجرد اندحار المسلحين، وبأحقاد أكبر. الحرب السابعة: بين الأكراد العراقيين والميليشيات الشيعية هذه الحرب قد تحدث لأسباب مشابهة للحرب رقم 6، إلا أنها بدأت بالفعل في النضوج. الميليشيات الشيعية، وكثير منها مدعومة من إيران، لعبت دوراً قيادياً في بعض المعارك للاستيلاء على أراضي الدولة الإسلامية، دافعةً المعارك إلى الشمال من بغداد لوقف تقدم المسلحين. وقفت هذه الميليشيات ضد مقاتلي البيشمركة الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة متقدمةً إلى الجنوب من المناطق الكردية. وحدثت اشتباكات بالفعل في مكان واحد على الأقل (طوز خورماتو). لكن الأكراد أنفسهم ليسوا متحدين، سواء في سوريا أو العراق؛ مما يجعل من الممكن حدوثها: الحرب الثامنة: الأكراد ضد الأكراد لعل هذه الحرب هي الأكثر تعقيداً من جميع السيناريوهات، لكنها ليست مستبعدة على الإطلاق. الأكراد منقسمون فيها بينهم بحدة على كل شيء تقريباً ما عدا تطلعاتهم إلى دولة كردية. أكراد العراق منقسمون بين اثنين من الفصائل التي خاضت حرباً أهلية دامية في تسعينيات القرن الماضي، أحدهما عدو لدود للأكراد الذين يسيطرون على شمال سوريا، والآخر متحالف مع الأكراد السوريين - الذين هم أنفسهم بعيدون كل البعد عن الوحدة. الصراع بين الجماعات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة قابل للحدوث، في العراق أو سوريا أو كليهما. الحرب التاسعة: العرب السنة ضد الشيعة أو الأكراد في السعي إلى تحقيق هدف هزيمة «داعش»، تغزو قوات كردية أو شيعية في معظمها المدن والقرى التي كان السنة يهيمنون عليها من قبل؛ مما يدفع الكثير من السنة إلى التعاون معهم للمساعدة في هزيمة المسلحين والكثير منهم يشعرون بالارتياح بشكل كبير عندما يُطرد قامعوهم. ولكن هناك أيضاً تقارير عن انتهاكات من قِبل الشيعة والأكراد ضد المجتمعات السنية التي يحررونها من قبضة «داعش»، وتشمل هذه الانتهاكات التهجير القسري للسنة من منازلهم والاعتقالات الجماعية للرجال السنة. في حالة عدم وجود مصالحة حقيقية، بما في ذلك الحلول السياسية التي تزيد من تمكين السُنة، يمكن أن يظهر شكل جديد من أشكال التمرد السني. الحرب العاشرة: بقايا «داعش» ضد الجميع الدولة الإسلامية ما زالت تسيطر على جزء كبير من الأراضي في سوريا والعراق، ولم تبدأ بعد عمليات السيطرة على عاصمتيها: الموصل والرقة. وإذا كانت الجماعات التي من المفترض أن تشارك في العمليات متحاربة فيما بينها، يمكن أن تتأخر تلك المعارك إلى أجل غير مسمى. وحتى إذا لم تتأخر المعارك، فإن هذه النزاعات الأخرى ستكون، إيذاناً باضطراب طويل المدى في المنطقة إذا تُركت دون حل. لم تحقق الحلول السياسية تقدماً يتناسب مع المكاسب العسكرية، فتُركت على حالها الفوضى الواسعة والخلل الذي مكَّن «داعش» من الصعود في المقام الأول. إذا ولَّدت الحرب الحالية حروباً جديدة، فقد تتمكن «داعش» من الصمود في وجه الحرب الدائرة ضدها. وفقا لما ترجمته «هافينغتون بوست عربي».