×
محافظة مكة المكرمة

حج / وصول آخر فوج من الحجاج السودانيين لمنفذ ميناء جدة الإسلامي

صورة الخبر

< أنتمي إلى جيل عاصر النكبة الكبرى للأمة صغيراً أيار (مايو) 1948 بإحداث دولة اسمها إسرائيل، تاريخ لا يمَّحي من ذاكرة الإنسان العربي، لما يمثله من اعتداء صارخ على الأرض العربية وإنسانها وتاريخها وحضارتها، حدث لم يكن وليد ذلك اليوم، بل كان تحقيقاً لحلم توراتي زائف، وتواطؤ خبيث من إمبراطورية الخداع والمكر العتيدة بريطانيا، لإبقاء جزء من سيطرتها على المنطقة العربية. ولجيل عاصر حرب السويس 1956، والهزيمة الكبرى واحتلال المزيد من الأرض 1967، وبداية النصر للجيش المصري 1973، على رغم قيام أميركا بإنشاء جسر جوي لإمداد إسرائيل بالسلاح والعتاد لكيلا يتحقق نصر مصري. ولا يفوت أن نتذكر باعتزاز حركات التحرر من الاستعمار مطلع القرن الـ20 في آسيا وأفريقيا، وما لقيته الدول المتحررة من النصرة لها من الدول الاشتراكية، ولم يكن الاتحاد السوفياتي يساعد الدول للتحرر من الاستعمار تبرّعاً، بل كان بذلك يعمل على نشر الفكر الاشتراكي في العالم وإضعاف الخصم الغربي. كان الوطن العربي في العديد من أجزائه وبطريقة أخرى، إما تحت الوصاية أو الحماية أو الاستعمار، هبّ الشعب العربي كغيره من الشعوب الأخرى في آسيا وأفريقيا للخلاص من «نير الاستعمار»، وبذلت التضحيات في التحرر من المستعمر الفرنسي في الشمال الأفريقي وسورية ولبنان، ورفعت الحماية البريطانية عن دول الخليج العربي، وأزيلت القواعد العسكرية من عدن وليبيا والظهران والعراق، كان ذلك في فترات متقاربة، ولكنها لم تتمّ في زمن واحد. وفي فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، خطط المستعمر أن يجعلها كبش الفداء من منطلقين أساسيين، الأول المصلحة في أن يكون له موطئ قدم في المنطقة، والثاني هو الاعتقادات التوراتية التي تقول إن قيام دولة لإسرائيل في فلسطين سيمهد لعودة السيد المسيح ودخول اليهود في المسيحية، وهو فكر منتشر بين المسيحيين في أوروبا وأميركا اليوم، لذا دبر الإنكليز وصايتهم على فلسطين والتمهيد لقيام دولة الصهاينة، كان لويد جورج رئيس الحكومة البريطانية عام 1917 من المؤمنين بالمشروع الصهيوني والمؤيدين له، وأسهم في العمل على إصدار ما عرف بـ«وعد بلفور»، وزير الخارجية في حكومة جورج. ما يسمى بدولة إسرائيل، نبتة خبيثة زرعت في أرضنا العربية، لتكون أداة من أدوات الغرب الاستعماري الذي يعرف جيداً أهمية منطقتنا العربية الاستراتيجية في المعادلة الدولية بين قوى العالم الكبرى، الباحثة عن تلك المناطق الحساسة من العالم والسيطرة عليها. بعد أن تحررت دول المنطقة من الاستعمار خلال القرن الماضي، كان لا بد للدول المستعمرة من إيجاد قاعدة لها في المنطقة. فترة التحرر من السيطرة الأجنبية في القرن الماضي كانت فترة حُرمت فيها القواعد الأجنبية في الوطن العربي، لأنها تمثل النقص في السيادة الوطنية، القواعد الأجنبية هي محميات لدول أجنبية في الدول، لا تمتد سيادة الدولة عليها، الجيل الحاضر لم يعاصر هذا الفكر، وإسرائيل هي قاعدة أجنبية في وسط الوطن العربي، تفصل شرقه عن غربه. لقد استبيحت أرض العرب وجعلت منطقة صراع وحروب دائمة، تم فيها اغتصاب وسرقة جزء عزيز من وطننا العربي، أرض فلسطين الغالية، وقتل وشرد أهلها إلى أصقاع الدنيا، وحرموا من حقهم المشروع في أرضهم ووطنهم، ومن أجل ماذا؟ لقد جاء المغتصبون من شتى أرجاء الأرض، مدِّعين زوراً وبهتاناً أنهم أحق بالأرض من أهلها الأصليين، بمن فيهم المسلمون والمسيحيون واليهود الأصليون، الذين عمَّروها منذ آلاف السنين، هؤلاء الغزاة الصهاينة الغلاة الجدد، الذين يشك حتى في انتماء الغالبية الكبرى منهم إلى الجنس السامي، امتهنوا جميع أساليب الإرهاب والتضليل والسرقة والتخريب لتهجير أصحاب الأرض، وبنوا مستعمراتهم على أشلاء الضحايا من أهل فلسطين الأصليين، ولم يكن الغرب إلا مساعداً ومعيناً في تحقيق هذه الجريمة النكراء. عشنا هذا الجرح الغائر في أعماقنا لـ70 عاماً، لم ننسه يوماً، حق الشعب الفلسطيني في أرضه وحقوقه جراء التشرد والمعاناة أمر ثابت ثبات الشمس في منتصف النهار، وأن نكون معهم في الدفاع عن ذلك الحق، أمر مقدس لا يقبل المساومة أو التنازل عند جيلنا وأبنائنا، وجميع المحبين للحق والعدل والإنصاف من أبناء الأمة العربية والإسلامية، بل ومن الشرفاء حول العالم، وما تضحيات إخواننا الفلسطينيين لأكثر من 70 عاماً، إلا مثال على الشعب العربي الأصيل المكافح والمناضل من أجل استعادة حقه في أرضه ووطنه المسلوب، إنه لجدير بكل عربي وكل مسلم أن يكون فخوراً بأن هذا الشعب المكافح البطل جزء من مكوناته، وأن من العيب الكبير لأي عربي أن يتنكر أو يساوم على هذه القضية المصيرية للأمة. إن ما نسمعه من أصوات نشاز ودعوات أو مبادرات للتقارب مع الدولة المغتصبة أمر لا يقره عقل ولا دين، ولا يقبله منطق، فلم تكن المملكة يوماً تساوم على قضية فلسطين، فسياسة المملكة ثابتة منذ عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، ولن تتغير في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك «سلمان العروبة»، الذي يعرف أكثر مني ومن أبواق النشاز حجم المملكة ومكانتها بالنسبة للأمة العربية والإسلامية، بالطبع سيفرح العدو لكي يستفيد من الخطأ الكبير الذي ارتكبه البعض، بالاتصال أو التلميح بالكتابة في الصحافة، إلى الفائدة التي يمكن أن تتحقق للمملكة من التطبيع مع العدو، المملكة العربية السعودية دولة مبادئ وقيم وليست دولة انتهازية، هذا ما أعرفه عن وطني الذي أحبه، هذه الاجتهادات في رأيي خطأ في التقدير وعدم قراءة دقيقة للظروف التي تمر بها المنطقة العربية، وتجاوز في أمر حسبته وحسبه كل غيور على المملكة بأنه في غاية الخطورة. إن مكمن الخطورة في التواصل مع العدو، هو في سوء التقدير لمكانة المملكة في المعادلة الدولية، ألم يسأل أولئك المضللون، ماذا جنت دول عربية من التطبيع مع إسرائيل، التي ما زالت شعوبها ترفض التطبيع مع العدو، بل أصبح هذا الأمر مجال خلاف بين الحكومات وشعوبها، ومع التقدير للبلدين العربيين ومكانتهما في العالم العربي، إلا أن مكانة المملكة في العالم الإسلامي بما شرفها الله به من وجود الحرمين الشريفين، لها ميزان خاص لا يمكن إغفاله، كيف لمن يضع نفسه في التصدي لأمر مثل هذا أن تفوت عليه القيمة الكبرى التي تحتلها المملكة في العالم الإسلامي؟ أنه لخطأ في التقدير، بل ماذا جنى الفلسطينيون من معاهدة أوسلو؟ مزيد من المستوطنات وتهويد القدس واضطهاد للشعب العربي الفلسطيني، أن تعرف طبيعة العدو هي من أولى أولويات حسن التصرف، نحن أمام عدو لا يعرف إلا سرقة الأرض والأخذ والمزيد من الأخذ والابتزاز. حلم العدو الإسرائيلي في التطبيع مع المملكة حلم لن يتحقق إلا في خيال من لا يعرف هذه البلاد وتاريخها ومواقفها المبدئية، ونقول لأصحاب العقول السقيمة كفوا شركم عن بلادنا، حشر هذا المرض في جسد الأمة مستمر منذ 70 عاماً، وجهابذة المخططين والمناورين وحتى علماء الاجتماع وعلماء النفس مجندون لكسر الحاجز النفسي للعرب لكي يقبلوا بما لا يمكن قبوله، وهيهات أن تكون بلاد الحرمين الشريفين تقبل بمثل هذا الاقتراب قبل حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقه المشروع في وطنه المستقل الحر وعاصمته القدس الشريف، نحن واثقون أن النصر بإذن الله لنا، تجاربنا مع الغزاة كانت متوجة في النهاية بالنصر لنا.     * كاتب سعودي.