×
محافظة المنطقة الشرقية

أين عمِل مخبراً ومتى، وماذا كان اسمه؟.. وثائق تقول إن محمود عبّاس كان جاسوساً لصالح KGB

صورة الخبر

أثار مؤتمر غروزني- الشيشان لتعريف أهل السنّة والجماعة الكثير من الجدل بل السخط لدى أوساط السلفية خصوصاً في المملكة العربية السعودية، وظهرت تحليلات مختلفة بدءاً من اعتباره إعلان حرب على السلفية. السخط السلفي مبرر، فالمؤتمر أقصى السلفية تماماً من مظلة أهل السنة والجماعة. المؤتمر أيضاً حمّل السلفية مسؤولية التطرف والإرهاب في العالم بشكل عام، مستنداً إلى أنه باسم السلفية مورس أقسى أنواع الإقصاء والتكفير لكل المسلمين بمن فيهم الأشاعرة والماتريدية. كما وضعت السلفية شعاراً للإسلام الحركي وحتى للإرهاب الإسلامي. مع كون الجميع مبرراً إلا أني أيضاً أرى أن الطرفين ارتكبا أخطاء كبيرة. قيادات المؤتمر أخطأت لأنها قابلت التكفير والإقصاء السلفي بإقصاء آخر وما يشبه التكفير أو التضليل. كان الأولى نظراً لاعتدال قيادات المؤتمر أن ينظموا مؤتمراً يدعو لتعريف «من المسلم؟». وحينها كان يمكن أن يدعى إليه كل من يؤمن بالإسلام بقطع النظر عن عقيدته أو مذهبه. ثم كان يمكن لهم استثناء كل من لا يؤمن بوحدة المسلمين وحقهم في الاختلاف. وأيضاً استثناء كل من لا يؤمن بالأخوة الإنسانية بين كافة البشر. لو قاموا بذلك لجمعوا الإباضي والسلفي والشيعي والزيدي والإسماعيلي والأشعري والماتريدي تحت مظلة الإسلام السمح الإنساني التعددي. ولأخرجوا من تلك المظلة المتطرف والمكفر سواء الإباضي أو السلفي أو الشيعي أو الزيدي أو الإسماعيلي أو الأشعري أو الماتريدي. الأهم من هذا لجمعوا المسلمين وفق مبادئ عليا سامية وليس وفق هويات تاريخية ضيقة وأيضاً مفرقة. مؤتمر غروزني أيضاً أخطأ لأنه حمّل السلفية مسؤولية التطرُّف والإرهاب على رغم عدم وجود أدلة علمية تدعم هذا الأمر. وكون أغلب الإرهابيين سلفيين لا يعني بالضرورة أن السلفية تنتج إرهاباً. المسألة أعقد من هذا بكثير. وهذا الخطأ بالذات أتى في وقت غير مناسب. إذ أن العالم يهاجم السلفية اليوم محملاً إياها أوزار العنف الديني. وفي هذا الوقت فالمطلوب الوقوف مع السلفية وليس تكريس الهجوم عليها. لعل أكبر خطأ قام به المؤتمر هو تجاهله العقلاء والمصلحين من السلفية الذين اجتهدوا خلال العقدين الماضيين لتحرير السلفية من كل من الإسلام الحركي ومن الإرهاب وأيضاً من عقيدة الولاء والبراء. لقد عزلهم المؤتمر عن عموم المسلمين محاولاً دفعهم للاصطفاف مع السلفيين المتشددين. السلفيون أيضاً أخطأوا في رد فعلهم على المؤتمر. لقد قاموا بإخراج المجتمعين من دائرة أهل السنّة بل تقريباً من دائرة الإسلام. واعتبروا المؤتمر مؤامرة روسية على الإسلام. وصوّروا علماء المؤتمر وكأنهم دمى تحركها السياسة العالمية ثم جعلوا منهم أعداءً للإسلام. هذه اتهامات غير مبررة ولا مقبولة تتجاهل أن المؤتمر رد فعل وليس ابتداء. كان على السلفيين أن يتذكروا ما قام به بعضهم على مدى عقود من محاربة الاعتدال ونشر التطرف وتكفير المختلف وإقصاء كل من لا يتبعهم. كان الأولى أن يبادروا إلى تأكيد أن ما حصل باسم السلفية لا يمثلهم وأنه كان ظلماً وحيفاً. على السلفية أن تنظر إلى المرآة وأن تصدق مع نفسها. فلا يحق لها أن ترفع شعارات الوحدة أو تدّعي أن غيرها يشق الصف في حين أن بعض أعمالها كان يصب في شق الصف. كان الأولى الإقرار بحاجة السلفية إلى تغييرات بدءاً من التخلُّص تماماً من عقيدة الولاء والبراء. ولعل أسوأ اتهام كان اعتبار المؤتمر أداة في أيدي دول كبرى تريد محاصرة أو عزل المملكة العربية السعودية عن محيطها الإسلامي. لقد ادعوا إن إخراج السلفية من مظلة «أهل السنة» يعني بالضرورة إضعاف تأثير المملكة في الساحة الإسلامية. هذه التهمة لها أبعاد سياسة وهدفها شق الصف بين دول الخليج بشكل أساسي. والملاحظ أن مروجي هذه التهمة هم من رموز وبقايا الإسلام الحركي والذين يريدون تصفية حساباتهم مع الدول التي قضت على طموحهم السياسي. ومما لا شك فيه أن دور المملكة في العالم الإسلامي لا يستند إلى السلفية بل إلى الإسلام. المملكة لا تقدم نفسها في المحافل الدولية باعتبارها دولة سلفية وإنما باعتبارها دولة مسلمة. والاختلاف مع السلفية لا يعني اختلافاً مع المملكة. ولكنهم أرادوا تحريف الحقيقة وتجييش المشاعر وإحداث فتنة سياسية. المسلمون لا يمكنهم الاستغناء عن بعضهم البعض. وهم لا يتخلصون من التطرف أو يجدون مكانهم في العالم بإقصاء بعضهم البعض. لذلك أتمنى أن يحصل لقاء بين عدد من علماء وقيادات مؤتمر غروزني وعدد من علماء من مذاهب أخرى لإطفاء فتيل الفتنة الذي يسعى إليها البعض. أدعوهم جميعاً للاجتماع وقطع الطريق على المتطرفين من كل الأطراف. إن الجدل الحاصل يمكن تحويله إلى طاقة إيجابية تدفع نحو التفكير والمراجعة والمعاتبة والمحاسبة. وهذا قد يبعدنا من شبح فتنة جديدة وقد يقربنا ولو قليلاً من الألفة.     * كاتب سعودي