×
محافظة المنطقة الشرقية

غرفة الأحساء تحدد مواعيد عملها خلال العيد

صورة الخبر

لا بد أن نستحضر بأن ثقافة الحوار تعني النصح والتناصح بين الطرفين بلا تعالٍ ولا احتقار، والعلماء في تاريخنا الإسلامي عُرفوا بهذا الأصل والأدب إن من أهم الثقافات ما له علاقة بالآخر، وحينما نكون غير مدركين لكُنهها فتلك مصيبة، ولكن المصيبة العظمى في تغييبها، وعلى وجه الخصوص حينما تصبح ضرورة للتفاهم والتعايش، فأين أخلاقيات الحوار وأهدافه وعقليته، والنتيجة التي خرجنا بها في ممارساتنا السابقة في ظل تغييب هذه الثقافة. أهم ما ينطلق منه الحوار بعد الالتزام بآدابه، كون الطرفين معتمدان على المعلومة الصحيحة الصريحة، ومن أصعب الحوارات ما له علاقة بالدين، فلا بد من دربة وتخصص، وقدرة على التفاعل مع المحاوَر، ويتقاطع بالعقل والنفس والنص والقداسة والإيمان، وهناك فرق بين البحث والمناظرة والجدل والحوار، كما يفترق الحوار الفقهي مثلا عن الحوار في أصل الدين والعقيدة، أو في الشأن السلوكي أو المسائل الدنيوية، مع مراعاة صراع العقل والشعور، وصراع العقل والعاطفة، بحيث تتصارع الثنائيات بين العقل والعاطفة، وبين التفكير والشعور، وبين قطعيات العقل وظنيات المشاعر. ومن أهم ما يجب مراعاته عند الحوار في المسائل الفكرية على وجه الخصوص؛ ألا يلزم الاتفاق في الهدف النهائي، ولكن تطرح وجهات النظر، وقد ينتج منها مجموعة من الأفكار المولَّدة الأولية التي تحقق الوئام بينهما، ولو لم يتفقا على الجميع، فالأفكار تتوالد، كما أن الذكاء ينمو، في حين أن المشاعر لا تتبدل ولا تتغير. إن الحوار الناجح لا يقوم على تحقير أو استعلاء، ولا يتحقق من غير المخلصين المؤمنين بما يحملونه من قناعات، كما يجب التفريق بين المحكمات وغيرها، وفي نفس الوقت، قد يفسد الحوار بسبب المصطلحات المتكلفة، فأي مصطلح له إسقاطات غير مقبولة يجب تجنبها، لأن الكثير من المصطلحات غير محررة، وبالتالي توقع في الإشكال، وتصبح أداة خلاف بدلا من أن تكون وسيلة اتفاق أو حتى وفاق، والمجتمع بحاجة ماسة إلى التواصل والتعارف والتواد، ولو لم يكن هناك اتفاق، إلا أنه لا بد من الوفاق، وبكل سمو ورقي، وإذا لم يكن حوارنا مقنعا فلا أقل من أن يكون مؤثرا، ولو في شكله الهادئ قبل مضمونه الهادي، ولا بد أن نستحضر بأن ثقافة الحوار تعني النصح والتناصح بين الطرفين بلا تعالٍ ولا احتقار، والعلماء في تاريخنا الإسلامي عُرفوا بهذا الأصل والأدب، والذين بقي أثرهم وعم نفعهم في تراثنا هم الذين أجادوا المجادلة والمناظرة والحوار، فتجددت منتجاتهم العلمية وحيت آراؤهم الفكرية. إن أهم المحاضن الحوارية في المجتمع تكمن في 3 مؤسسات عريقة، تبدأ بالمنزل وتمر بالمدرسة ولا تنتهي بالمسجد، وإذا غابت ثقافة الحوار الأصيل المؤدب في الأسرة، فسوف تنتقل إلى المدرسة والمسجد، ومن باب أولى إلى الشارع بأنواعه وتفرعاته النافذة والمنقطعة، وجميع ذلك بالحسنى والرفق، حاملة العقل والإقناع، وباحثة عن الحق والعدل، وأما طريقة الإكراه والتسفيه فلن تحقق الهدف، ومن رغب المحبة وطلب المودة وتمنى الهداية وسعى إلى التوفيق، فسيظهر جميع ذلك بين حروفه وعطر أنفاسه. أما التشنج والانفعال، على مر المواقف والأحوال، فلم ينتج إلا عكس ما أراده جميع الأطراف، في حين أن الكلمة اللينة والعبارة الهادئة تحقق الكثير في النفوس، ولو من باب الحياء والتقدير، ولكن العكس بعكسه، فيحصل التكابر والتعزز بالآراء ولو كانت في بواطنها محل شك في النفس قبل الآخر، ولذا يظهر فساد المنطلق وخسارة النتيجة في آن واحد، فلا الأول حقق مطلبه، ولا الآخر تزحزح عن قناعته، ولكن المخلص الأمين لا يلتفت إلى الناس أجمعين، وإنما يراعي رب العالمين، بأن يلتزم وسائل التأثير، ولو انتقده المقربون ورموه بشتى النعوت والأحكام. لماذا لا نطبق ثقافة الحوار كما هي في مراجعنا الدينية والقيمية، حتى لا نتناقض بين النظرية والتطبيق، لنصل إلى الحوار الناجح الصالح النافع في المجتمع على جميع الأصعدة، فأين الحوار المبني على تقنية ومهارة وقدرات، وليس مجرد خطابات بالية محررة سلفا بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وأن نركز على امتلاك كل فرد منا القدرة على الحوار الإيجابي، ولأننا في الغالب أصحاب ردود أفعال ولا نلتفت إلى الوراء، ومن باب أولى لا نستشرف للأمام؛ فلم نحقق في كثير من اختلافاتنا إلا تحويلها إلى خلافات وصراعات، وإذا رجعنا إلى ميادين تلك المسماة تجاوزا بالحوارات، لم نجد أي نتيجة إيجابية، في حين رأينا النتائج السلبية وعدم تحقق أي مصلحة دينية أو دنيوية، حيث بدأناها حراكا وصيّرناها عراكا وأوصلناها إلى أعلى النزل في فحشها الظاهري والباطني، ولذا، ماذا تحقق من مصالح عامة جراء تلك المعاركات، سوى بعض المصالح الخاصة التي ركبت كل موجة بزعم النصرة للحق والذب عن الحقيقة، ولكنها لا تتأمل النتائج في نهاية كل حالة، لنكرر نفس الأخطاء من جديد دون إدراك. ولكن لو تأملنا لعلمنا بأنه من الواجب أن نبدأ في مراجعة المسيرة وسلوك الطريق المستقيم نحو المصلحة العامة الحقيقية، خصوصا أننا في زمن العولمة التقنية التي تضاعف السلبيات بقدر ما تتضاعف بها الإيجابيات إن حققناها، وما نزال نؤمل الخير في مستقبل قريب قد بدأنا نرى بوادره الإيجابية، ولكن ليس من جهة مصالحه، وإنما فرحنا بانحسار مفاسده، أملا في طيّها نحو مسيرة النجاحات بإذن الله تعالى.