في الحلقة الثالثة عشرة من برنامج الشريان من شهر رمضان 1437هـ -2016م لمقدمه داود الشريان، مع ثبات الأسلوب الشرياني الإعلامي، سواء في إدارته لحوار مع معنيين ومعنيات بالشأن العام أو رموز الثقافة العربية، إلا أن ما أثاره ملحم بركات في إجاباته وتلميحاته لهي جديرة بالملاحظة والتأمل. فهو رأى أن ما أعطاه الأخوان الرحباني مع فيروز ونصري شمس الدين ووديع الصافي للأغنية اللبنانية لم يكن وليد فراغ أو صدفة، فقد أشار بركات إلى الإرهاصات الأولى لأسماء باتت في أرشيف الذاكرة. ونستذكر أن دور الإذاعة في مطلع القرن العشرين لا يخفى لإيصال الحناجر، وقد أسست الإذاعة اللبنانية عام 1938 -تسلمتها الحكومة اللبنانية 1946-، ففي أثناء انشغال مجموعة من المواهب في صياغة الأناشيد المدرسية والعسكرية مثل وديع صبرا ومتر المر والأخوان فليفل -أحمد ومحمد- انطلقت مواهب بعض اللبنانيين في الإذاعات المجاورة في القدس والشرق الأدنى، فكان هناك كل من سليم الحلو 1893-1979، ويحيى اللبابيدي 1900-1943 وسامي الصيداوي 1913-1994 في المقابل انتشرت أغنيات انتقادية لعمر الزعني 1898-1961. وما بين نصوص الشعر الفصحى وصراع العثمنة والعروبة، وبين تسرب التراث الثقافي الشامي غير المادي الذي تلقنه كل من اللبابيدي والصيداوي بينما تلقن الحلو التراث الثقافي الحضري من موشحات وقدود بدأت تنشأ صيغة متقنة لحالة الغناء العربي في لبنان عندما تسلم القسم الموسيقي حليم الرومي عام 1950 واستقبل مواهب وصنف قوالب الغناء ووضع مقترحات عدة، ما جعل هذا المختبر الذي جمع إلى جانب المواهب اللبنانية كذلك المواهب الفلسطينية والسورية والمصرية بالإضافة إلى عازفين أوروبيين وروس يتزين بأصوات كبيرة بعضها عاشت ما بين القاهرة وبيروت مثل ماري جبران ونور الهدى وسعاد محمد وصباح ونجاح سلام وهيام يونس وفايزة أحمد أو انطلقت وتكرست عبره هذا المختبر مثل محمد غازي وزكية حمدان وحسن عبدالنبي وفيروز ونصري شمس الدين. وعند محاولة إطلاق مهرجانات بعلبك 1956 بالتوازي مع اللبننة الشمعونية السياسية انعكست على إنشاء فرق غنائية واستعراضية جعلت من التراث الثقافي الشامي مادتها الأصلية، سواء القروي أو البدوي أو الشعبي، وهذا ما جعل عهد الإذاعة ومدرسة الغناء العربي التي وضع أسسها تنحسر مقابل صعود اللبننة الشعبية عبر فرقة الأخوين رحباني 1957، وفرقة الأنوار 1961 بزكي ناصيف وتوفيق الباشا، وفرقة روميو لحود 1962 وفرقة كركلا 1968 أو بحناجر صباح ووديع الصافي وفيروز ونصري شمس الدين وسلوى القطريب. ومن هنا نشطت المدرسة الغنائية اللبنانية عبر مسرحيات وبرامج وأفلام غنائية أوصلتها، مع جيل تربى فيها مثل: عصام رجي وملحم بركات ومروان محفوظ وجوزيف صقر وغسان رحباني أو ظهر بالتوازي معها، مثل سلوى القطريب وسامية كنعان وعازار حبيب. ظهرت في شخصية بركات، وتطرح موهبته المسألة الفنية الأشد حساسية في الغناء العربي، صورة المغني–الملحن، وهو الذي عرف بوصفه أحد أفراد جوقة الأخوين رحباني، ومثله: عصام رجي ومروان محفوظ وجوزيف صقر وفاديا الحاج ورونزا وسواهم. إلا أن بركات لم يتوقف عند مشاركاته الصامتة، في مسرح الرحابنة: أيام فخر الدين 1966، هالة والملك 1967، يعيش يعيش 1970، فقد انطلق بطلاً وملحناً مع صباح في مسرحيتي ست الكل 1974، حلوة كتير 1975، ثم مع سلوى القطريب في الأميرة زمرد 1976، وعاد إلى الرحابنة مع رونزى في الربيع السابع 1984، ثم أنجزه من بطولته ومشيت بطريقي 1995. توازى مع حنجرة كبيرة وعظيمة لبركات كونه ملحناً كبيراً أيضاً، فإن استذكار بعض ألحانه على مدى الثلث الأخير من القرن العشرين لكافية لتضعه في سجل الأغنية العربية. ومن تلك الأغنيات: أبوكي مين يا صبية من فيلم ساعي البريد 1977 لوليد توفيق، وما غناه من ألحانه كبوش التوتي 1979 من برنامج ساعة وغنية، ويا حبي اللي غاب فيلم حبي الذي لا يموت 1984، على بابي واقف قمرين 1985 وتسجيلاتها الكثيرة وارتجالاته التي لا تنقطع. بالإضافة إلى أغنيات لآخرين لعل من أميزها اعتزلت الغرام 2006 للسيدة ماجدة الرومي، وتبقى الحنجرة والنغمة علامة في الغناء العربي.