استمع خيري منصور ما نشر باللغة العربية عن ثنائية الدولة والأمة، أو بمعنى أدق عن الجدلية بينهما غالباً ما راوح بين تفكير انفعالي مشحون بعاطفة قومية، وتفكير يزعم العقلانية كي يبرئ صاحبه من أية أعباء قومية، خصوصاً في المعالجات النظرية المُعلبة التي لم يفرزها الواقع بمجمل حراكه. لكن أهم طرح في هذا السياق رغم ندرته والتحفظات الاحترازية فيه هو أن الدولة أو القطر العربي سيكون لبنة متماسكة وناضجة إذا استكمل نموه، وبذلك يصبح رقماً في السياق القومي الذي يتشكل في نهاية المطاف من حاصل جمع الأقطار. وقد تكون هناك أسباب تاريخية وموضوعية إلى حد ما دفعت البعض من المثقفين العرب إلى ترجيح كفة الأمة، منها: تعرض الوطن العربي إلى أخطار منها الغزو ونهب الثروات والاستيلاء على مواقع استراتيجية بالغة الأهمية في الجغرافيا السياسية. وأذكر أن أحد المتحمسين لأطروحة استكمال القُطر أو الدولة العربية لنموه هو السبيل لعدم الانتهاء إلى معادلة خُلاصتها أن حاصل جمع الأصفار هو صفر أيضاً حتى لو كان بمساحة قارة! وإذا كان هناك من يدعون بإلحاح إلى تجديد الخطاب الديني، وتحريره مما علق به عبر العصور من شوائب، فإن الخطاب القومي يستحق أيضاً مثل هذه المراجعة، شرط ألا تطال الثوابت والقواسم المشتركة بدءاً من المنبع التاريخي حتى المصب. فالخطاب القومي ليس مجرد نشيد تتوارثه الأجيال، إنه أيضاً مفهوم قابل للتحليل، بحيث يفهم العربي المعاصر أن ما يجمعه بالعربي الآخر ليس العواطف والذاكرة فقط، بل المصالح وفي مقدمتها الأمن القومي، خصوصاً في هذه المرحلة التي تصورت فيها بعض القوى الإقليمية أو الدولية أن العرب أصبحوا الرجل المريض المسجى على مائدة، بحيث تتجول فيه المباضع والسكاكين لاقتسامه وتحويله إلى غنائم. إن الثقافة في بعدها القومي تبقى ناقصة، إذا لم تضع النقاط على الحروف، وتقنع العربي بأن التكامل كبديل للتآكل هو خلاصه الوطني والإنساني!