مع زيادة «الاستثمار السياسي» للسعودية في القارة الآسيوية، ومد جسور الثقة بين دول المنطقة هناك، يبدو منطقيًا أن السعودية بحاجة إلى أن تقوم بعمل «جرد» كامل مع جميع دول آسيا لانطلاقة دبلوماسية شاملة. وهناك مؤشرات مهمة تدل على هذا التوجه اللافت، ولعل أهم تلك المؤشرات هو الانفتاح السعودي المهم على الهند، بعد سنوات من التحفظ والحذر. واضح أن السعودية قررت وبقوة أن يكون ثقلها الاقتصادي في القارة الآسيوية بشكل استراتيجي لافت ومؤثر. وآسيا قارة عملاقة متشعبة فيها قوى مختلفة؛ فهناك تكتلات وعلاقات، وهناك قوى مؤثرة. فالصين والهند مثلاً تكتلان مهمان، واليابان وكوريا الجنوبية محركان للنمو الاقتصادي الفعال، ولكن لا يمكن إغفال ثقل وأهمية مجموعة النمور الآسيوية المندمجة في تكتل اقتصادي باسم «آسيان»، وهذه الدول هي إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند وبروناي وسنغافورة وغيرها. والعلاقات السعودية مع كل هذه الدول تبدو طبيعية، وهناك حرص واضح على تقويتها ودعمها، باستثناء العلاقة مع تايلاند، التي يبدو أنها لا تزال متأزمة بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على أسباب هذه الأزمة. تايلاند دولة مهمة في جنوب شرقي آسيا، وكانت العلاقات الاقتصادية جيدة معها في فترة مهمة من الفترات، وكانت العمالة القادمة منها من أمهر العمالة التي عملت في السعودية، وكذلك حظيت المنتجات التايلاندية بالاحترام والقبول. واليوم، وعلى الرغم من وجود منع وحظر على سفر السعوديين إليها، إلا أن هناك من يذهب لأغراض اقتصادية، وهناك من يذهب للعلاج ولقضاء الإجازة، دون أن تحدث أي نوعية من المشكلات. تايلاند دولة مهمة ومقر صناعي لكثير من الصناعات ومراكز الخدمة، ففيها صناعة سيارات، وأصبحت مركز جذب كبيرًا للكفاءات والمواهب الطبية، وأصبحت نقطة تلاقٍ لأهم مراكز العلاج المتخصصة في القارة الآسيوية. والسعودية اليوم بموقعها القيادي اللافت والمؤثر وبسياستها الحكيمة نتمنى عليها إغلاق ملف تايلاند وفتح صفحة جديدة تمامًا معها، والتعامل معها مثل باقي الدول كدولة صديقة ودولة معها مصالح مشتركة متنامية. ولنا عبرة كبيرة في العلاقات العظيمة المتنامية بين اليابان وألمانيا وفيتنام، مع الولايات المتحدة الأميركية، وهم الذين كانوا ألد أعدائها بالأمس القريب. المكانة القيادية الجديدة للسعودية تحتم عليها إغلاق الملفات القديمة التي كبرت وتشددت عبر الوقت. ملف العلاقات المتوترة مع تايلاند حان وقت إغلاقه وفتح صفحة جديدة معها تمامًا. هذا موقف يليق بالسعودية اليوم.