جميل جداً أن تشارك شركة أرامكو في برنامج معرفي إثرائي بهدف توسيع مفهوم استثمار الطاقة خصوصاً «الطاقة الكهربائية» التي تعتمد على النفط كمحرك أساس لجميع الأجهزة والآلات التي يستفيد منها الإنسان، ويجد المهرجان المقام حالياً في مدينة جدة إقبالاً كبيراً من جميع شرائح المجتمع خصوصاً فئتي النساء والأطفال، وأحسن القائمون على المهرجان صنعاً بتقديم برامج تعليمية بأسلوب ترفيهي، وهي طريقة تعليمية ناجحة، متى ما كانت المادة المعروضة تتوافق من الفئة العمرية، وتتماشى مع الثقافة المجتمعية. ومن خلال الشروحات التي يقدمها القائمون على البرنامج اتضح أن المملكة العربية السعودية من أكثر بلدان العالم استهلاكاً للطاقة مقارنة مع دول أضخم مدناً وأكثر سكاناً كالصين وألمانيا وكذلك الولايات المتحدة، بمعنى أن السعوديين من أكثر الشعوب تبذيراً للطاقة بعدم التقنين بنسبة الاحتياج، كما أن المملكة تتربع على رأس قائمة الاستهلاك للبترول مقارنة بعدد السكان، حيث يصل الاستهلاك إلى 21% من كمية الإنتاج هذا إذا عرفنا أن السعودية من أكثر دول العالم إنتاجاً للنفط، وبحسب التقديرات التي بُنيت على دراسات علمية فإن: 17 عاماً فقط كافية لتتعادل كمية المستهلك مع كمية المصدر، أي بنسبة 50% وهذا مؤشر خطير جداً خصوصاً إذا ما عرفنا أن البترول قابل للنفاد خلال عقود قادمة، وهذا يجعل الأجيال القادمة -الأكثر عدداً- تتهم الحاليين بأنهم أنانيون يحبون ذواتهم، ولا يحسنون التقدير للمستقبل. وحتى نخرج من نفق ضعف استيعابنا لما هو آت لابد أن تتبنى وزارة التربية والتعليم، وكذلك التعليم العالي ووزارة الثقافة والإعلام خططاً استراتيجية بعيدة المدى من أجل زيادة جرعات الوعي كي يتشكّل سلوك يُقدِّر هذه الهبة الربانية التي أوجدها الخالق في باطن الأرض منذ ملايين السنين، وجاء هذا الوقت للاستفادة من النفط وهو بطبيعة الحال قابل للنفاد، وحتى يتشكّل مرّة ثانية نحتاج إلى فترة زمنية تُقدّر بملايين السنين مع ضرورة تهيئة ظروف مماثلة كوجود مواد عضوية وحرارة وضغط مناسبين وهذا من سابع المستحيلات. ولمّا كانت الدراسات تُؤكد أن البترول قابل للنفاد، فلم لا يتم تقنين الاستهلاك والتصدير؟ وذلك بأسلوب التوعية فضلاً عن البحث عن بدائل مهمة كالطاقة الشمسية التي تتميز في كونها متجدّدة ومتوفّرة، حيث تقع الجزيرة العربية في منطقة مدارية تتمتع بقسط وافر من الإشعاع الشمسي الذي يحتاج إلى استثمار أمثل في كل شؤون الحياة، ونخفّف من استهلاكنا وتصديرنا الجائر من البترول كي لا تتهمنا الأجيال القادمة بما لا يليق. ولمّا كان المهرجان يحضره كثير من الأطفال، فقد خُصصت خيمة معرفية لهم بهدف إمتاعهم وإثراء معارفهم، إلا أن البرامج لم تكن موفقة، حيث يتم عرض مسرحية السنافر، وفكرتها مجموعة من الأقزام يعيشون في حقل التوت بوجود منافسين لهم، وقد ألّفها أحد البلجيكيين منذ قرابة مائة سنة، وتُرجمت لكثير من اللغات العالمية، وفي ظني أن العرض والمؤثرات الصوتية والموجودات من رسومات تُعد انسلاخاً تاماً عن الثقافة العربية، وتلك مشكلة ليس شركة أرامكو تتحملها بل هناك جهات عديدة أيضاً كوزارة التربية والتعليم والثقافة والإعلام والتعليم العالي مما يبيّن عجزاً واضحاً في استثمار الحكايات الشعبية والقصص العربية وتحويلها إلى نصوص سينمائية أو مسرحية، بحيث نُرسّخ هويتنا ونُعزز قيمنا وتكون نابتة من ثقافتنا، لا أن نجلبها مُعلبة، وبالتالي نحقن عقول أطفالنا بما لا يتناسب ويتناغم مع خصوصياتهم، وتلك لعمري شواهد تؤكد أننا عاجزون على إشباع رغباتهم بما لا يتوافق مع خصوصية وثقافة المجتمع. ويُعد هذا انسلاخاً ثقافياً واضحاً يتشربه أطفالنا منذ نعومة أظافرهم، وبالتالي تتعزز في ذواتهم ثقافة الاستهلاك الثقافي والفكري، وكأننا نعيش عالة على هامش ثقافة المجتمع العالمي، وكأن ليس لدينا تُراث ثقافي يُمكن تحويله إلى نصوص تشبع رغبات أطفالنا. وعلى الرغم من الإمكانات الضخمة والصرف المالي لمثل هذه البرامج التي تقوم بها شركة أرامكو، إلا أنه كان يتوجب عليها إبراز الثقافة العربية أولاً: ليس فقط في الأفلام التي تعرضها للأطفال باستنساخ ما تبثه القنوات الفضائية سواء بما يتعلق بأقزام سنافر أم غيرهم، فالتريث في مثل هذه العروض، ودراسة ما يُحسن القيام به، أهم من تقديم ما يجعل الطفل منسلخاً عن ثقافته.