واشنطن: محمد علي صالح صدر أخيرا كتاب «نيو سكول» (الجامعة الجديدة: كيف ستنقذ التكنولوجيا الجديدة الجامعات من تدمير نفسها؟)، الذي كتبه د. غلين رينولدز، أستاذ القانون في جامعة تنيسي (نوكسفيل، ولاية تنيسي)، ويناقش الكتاب الزيادات المستمرة، والمرتفعة، في تكاليف الدراسة الجامعية. وكتب، في البداية: «بالنسبة للمصروفات الجامعية، فازت السخرية على الواقع». وأشار إلى عنوان في مجلة «أونيون» (البصلة) الساخرة يقول: «عمره ثلاثون سنة، بعد أن حصل على شهادة جامعية، زادوا راتبه عشر دولارات في الشهر». وجاء في الخبر الساخر: «بعد أن حصل باتريك مورهاوس على هذه الزيادة، جمع وطرح وقسم وضرب. ووجد أن ما صرفه خلال أربع سنوات في الجامعة، وخاصة قروض البنوك، وقيمة الكتب، والأكل والشرب، تساوي عشرة آلاف مرة الزيادة الشهرية في راتبه الجديد». وقال مؤلف الكتاب: «خلال العقود القليلة الماضية، تركت فقاعة مصاريف التعليم الجامعي، وتراكم الديون، جحافل من الطلاب في أعماق ديون لا قاع لها. دون تحسين أوضاعهم الوظيفية. لهذا، لا بد من إعادة النظر في تكاليف التعليم الجامعي. صار واضحا أن المسؤولين عن الجامعات، والسياسيين في حكومات الولايات والحكومة الاتحادية، لا يريدون، أو لا يقدرون، على حل هذه المشكلة المهمة، والخطرة. لهذا، لا بد للآباء والطلاب أن يشكوا في نوايا هؤلاء، وأن يبحثوا عن حلول أخرى. لحسن الحظ، ظهرت حلول تكنولوجية، خاصة التعليم عبر الإنترنت». عبر تاريخها، واجهت الجامعات مشكلة بعد أخرى، أولا: في القرن التاسع عشر (عندما تأسست كثير من الجامعات المرموقة حاليا)، كانت المشكلة الكبرى هي الاعتماد على المصادر الخاصة (مثل الكنائس والمنظمات الدينية)، التي كانت، رغم كل شيء، محدودة. وبدأت دعوات لإشراك حكومات الولايات والحكومة الاتحادية. ثانيا: في النصف الأول من القرن العشرين (بسبب مشكلات التفرقة العنصرية، والتفرقة ضد النساء، وضد الفقراء)، بدأت دعوات لتركز هذه الحكومات على تعليم غير الأغنياء. وتأسست كليات (لا جامعات) خاصة بالزنوج، وبالنساء. ثالثا: في النصف الثاني من القرن العشرين (بعد نجاح مظاهرات الحقوق المدنية والحقوق النسائية، والتدخلات العسكرية الأميركية في الدول الأخرى مثل فيتنام)، حدث تحسن كبير بفضل برامج مثل «جي آي بيل» (مساعدات من وزارة الدفاع ووزارة المحاربين القدامى للجنود الذين حاربوا في الحرب العالمية الثانية، وحرب كوريا، وحرب فيتنام). وبسبب إدخال مقررات في الجامعات عن الزنوج والنساء والأقليات. وبسبب مساعدات حكومية خصصها الكونغرس للطلاب المحتاجين (مثل برنامج «بيل»). رابعا: مع نهاية القرن العشرين، وبداية القرن الحادي والعشرين (مع زيادة تطبيق نظرية «ريغانوميكز» لصاحبها الرئيس السابق رونالد ريغان، ومع زيادة قوة الجناح اليميني في الحزب الجمهوري، مثل حزب الشاي)، انفتحت الأبواب أمام البنوك والشركات الاستثمارية لتستثمر في مصاريف الطلاب الجامعية. وزاد اعتماد الطلاب على القروض بعد أن كانت نسبة كبيرة منهم تعتمد على مساعدات حكومية. وقال الكتاب إنه «من السخرية أن الجامعات استغلت زيادة المساعدات الحكومية للطلاب، وزيادة القروض البنكية للطلاب، ورفعت تكاليف الدراسة فيها. من السخرية أن المسؤولين عن الجامعات الأميركية، وهم قمة الجهاز التعليمي، صاروا طماعين وأنانيين، مثل السياسيين والمستثمرين». وحسب دراسة في جامعة ميتشيغان أجراها أستاذ الاقتصاد والتمويل الدكتور مارك بيري، خلال السنوات من عام 1978 حتى عام 2011، زادت المصروفات الجامعية بمعدل سنوي قدره 7.45 في المائة. وخلال الفترة نفسها، زادت تكاليف الرعاية الصحية بنسبة 5.8 في المائة فقط. وزادت تكاليف الإسكان، رغم الفقاعة (التي تسببت في الكارثة الاقتصادية التي بدأت عام 2008) بنسبة 4.3 في المائة. وزاد دخل الأسرة بمعدل سنوي قدره 3.8 في المائة. ولحسن الحظ، هي الزيادة نفسها في أسعار السلع الاستهلاكية. وحسب الدراسة، صار متوسط ديون الطالب اليوم 29400 دولار، لكن تصل بعض الديون إلى 100 ألف دولار. وحسب استطلاع وسط هؤلاء أجراه مركز «غالوب»، قال أربعة من بين كل عشرة من خريجي الجامعات إن الوظائف التي يشغلونها لا تتطلب شهادة جامعية. ما الحل؟ يركز الكتاب على التقدم في تكنولوجيا الإنترنت. ويشير إلى أمثلة كثيرة، منها معهد جورجيا للتكنولوجيا (جي آي تي). صار يقدم درجة الماجستير في علوم الكومبيوتر مقابل سبعة آلاف دولار. يبدو هذا كثيرا، لكنه ربما نصف جملة تكاليف الحصول على هذه الدرجة في الجامعات التقليدية. وتوجد ظاهرة جديدة هي «هوتلينغ» (فندقة). تشير هذه إلى أن جامعات غير قليلة صارت تبني مكاتب، وكأنها فنادق، من دون وجود أساتذة. وصارت تعتمد على التدريس عبر الإنترنت، وبدلا من توظيف أساتذة، تتعاقد معهم. أساتذة في الهندسة من معهد جورجيا للتكنولوجيا (جي آي تي). وفي الفنون والأدب من جامعة ييل (ولاية كونيكتيكت). وفي الأعمال التجارية من جامعة ستانفورد (ولاية كاليفورنيا)، وهكذا. وأخيرا، قال الخبير الاقتصادي هربرت شتاين: «إذا لن يستمر شيء إلى الأبد، فلا بد أن يتوقف». وعلق على ذلك مؤلف الكتاب قائلا: «خلال العقود القليلة الماضية، زادت تكاليف التعليم الجامعي أكثر من الزيادة في الدخول. والآن، تستمر هذه المعادلة الظالمة أخلاقيا، والمستحيلة اقتصاديا. ولا يمكن أن تستمر إلى الأبد. ومع زيادة التكنولوجيا، صار الطلاب وأولياء الأمور يبدأون في وضع فرامل لوقف هذا القطار المدمر. لهذا، لا بد للمسؤولين عن الجامعات، والسياسيين في حكومات الولايات والحكومة الاتحادية، من التصرف السريع والعاقل. وذلك حتى يقف القطار المدمر في هدوء، من دون أن يدمر نفسه، ويدمر من فيه».