×
محافظة مكة المكرمة

بالصور.. جسم غريب يسقط بالطائف يثير الدهشة و”فلكي” يكشف حقيقته !!

صورة الخبر

قررت قبل سنوات ثلاث من يومنا هذا أن اشتري سيكل. في البلد التي أعيش فيها هذه الأيام تورونتو لا أحد يعيب على أحد أي تصرف يخصه شرط ألا يتصادم مع القانون وحقوق الناس. لا حقوق ثقافية أو سلطوية أو دينية تمنح للملاقيف. الظروف مناسبة لي والأسباب متوفرة. نشاط وسهولة في الحركة واستعادة شيء من زمن الطفولة. آخر علمي بالسيكل منذ أكثر من خمسة وأربعين سنة. كان يباع في شارع الشميسي القديم. لا أتذكر طفلا في الرياض لا يملك سيكلا. كانت موضه ذلك الزمن. حتى الكبار كانوا يستخدمون السيكل. طفرة السبعينات أزالت السياكل من سكيك الرياض وشوارعه. (لماذا) هذه قضية أخرى. رغم المسافة الزمنية والهجر الكامل مازالت مفردات السيكل ساطعة في ذاكرتي. دركسون وكفر ووطاية وجنزير وعمود وساعة وتلبيسة وتك وبلون والجنط بعد ان تنتهي صلاحيته الأصلية نعطيه وظيفة أخرى ونسميه دنانة. ذهبت لمحل بيع السياكل على أساس أن معلوماتي هذه سوف تسهل علي شراء السيكل المناسب. دخلت محلا متخصصا في بيع السياكل بروح الخبير. شاهدت أول ما شاهدت سيكل مدلى من السقف في عرض يميزه عن غيره. بدا شكله حلوا ورقيقا. يحتوي على مرتبة السائق ولكن بدون مقعد للرديف وبدون رفارف. ساورتني نفسي أن هذا أرخص شيء. حسب تسعيره أهل العسيلة في الرياض القديمة لن تتعدى قيمته مئة دولار. بهذا السعر المبالغ به أكون سددت السعر مع ما طرأ عليه من تضخم عبر السنين. رفعت رأسي وشاهدت بطاقة السعر وإلى يومكم هذا ما اشتريت سيكل. تقدم مني البائع شاهرا ابتسامته وقبل أن ينطق بكلمة (ديورت) وأوليته ظهري وخرجت مع الباب لا ألوي على شيء. سعره الأصلي ألفي دولار وبعد التخفيض صار بألف وثلاث مئة دولار. لماذا انصدمت ولماذا لم أقبل التكيف مع السعر الجديد. دخلت المحل بتقدير وبمفهوم ثقافي تم بناؤه في زمن آخر. ظننت اني أعطيت الزمن حقه إلى درجة أن حددت أن سعره هذه الأيام ربما قفز إلى ثلاث مئة ريال. سيكل بألفي دولار. عجز خيالي أن يبتلع هذا الرقم. بعد أن هدأت روحي وزالت عنها الروعة زرت محلات سيكال أخرى وبحثت في النت فاكتشفت أن هذه الأسعار سائدة وطبيعية. وجدت سياكل بمئة دولار ولكن كأنك تشتري جوالاً تتوقف خدماته عند المكالمات والرسائل فقط. بعد كل هذه المعلومات لماذا لم أشتر حتى الآن. اكتشفت أنى رهينة لما تم بنائي عليه في مرحلة التأسيس. لم تسمح لي نفسي أن أخترق تلك الثقافة العريقة التي تشكلت وترسبت في أعماقي ولم يأت من ينزعها أو يحركها عبر الزمن. موقفي الرافض لا ينطلق من البخل أو أن فكرة السيكل لا تستحق هذا المستوى من البذخ ولكنها الثقافة هي التي حرمتني من شيء كان سيمتعني. الأشياء الأخرى التي عرفتها في عصري هذا اشتريها بالسعر المطلوب وبكل أريحية. الجوال مثلاً أدفع فيه أي ثمن لأني التقيته حديثاً واستقر في داخلي بأسعاره المعروفة. ترك المفاهيم والمعلومات في داخل نفسك دون تحريك ومراجعة مستمرة يجعلك خارج الزمن في النهاية. تعلمت من هذه التجربة البسيطة ألا يحميك من الخروج من العالم إلا المتابعة والبقاء في حياة الأشياء وتحديث كل مفهوم أو معلومة في داخلك. لا تتوقف عن الحياة إلا إذا داهمك الموت الصريح. نقلا عن الرياض