×
محافظة الرياض

تعرف على مصليات وجوامع ستقام فيها صلاة عيد الأضحى بالرياض

صورة الخبر

يربط البعض - وهم على حق - بين الاخلاق والدين ، فلا اخلاق بدون دين ، وحتى الذين دعوا الى علمنة الاخلاق او خصخصتها: اي فصلها عن القانون ، ادركوا ما وقعوا فيه من التباسات ، فالمواطنة مثلا كانت علمنة لمفهوم الاخوة الاسلامي ، والتكافل كان ايضا علمنة لمفهوم الاحسان في الدين ، ومع ان غير المتدينين يمكن ان يكون لديهم اخلاق ، كما ان بعض المتدينين يمكن ان لا تتحقق فيهم شروط الاخلاق الا ان ثمة فرقا كبيرا بين مفهومي الاخلاق لدى الطرفين (كما يقول د. طه عبدالرحمن): احدهما يعتبر ان العقلانية هي التي تحدد انسانية الانسان وبالتالي فالاخلاق جزء من العقل وتابع له ايضا ، والآخر يرى عكس ذلك تماما ، احدهما يؤمن بنسبية الاخلاق وامكانية تغيرها والآخر يؤمن بثباتها كقيمة وبواقعيتها التي تراعي الطبيعة البشرية ، احدهما يراها مجرد نظر والاخر يربط بينها وبين النظر والعمل ، احدهما يراها صفات كمالية والآخر يراها صفات ضرورية وتشمل جميع اعمال الانسان.. وهكذا. من اللافت انه من بين (6236) آية ، هي عدد آيات القرآن الكريم ، لا يوجد سوى (634) آية ، حسب ابن عربي ، او 500 آية حسب الغزالي تتحدث عن الاحكام التي تشرع للعبادات والمعاملات بينما تتعلق الآيات الآخرى كلها بموضوع الاخلاق ، وقد يبدو مفهوما تبعا لذلك ما ذكرته عائشة رضي الله عنها عن الرسول عليه السلام انه “كان خلقه القرآن” بمعنى ان القرآن كتاب اخلاق اولا ، وان سيرته عليه السلام ترجمة امينة له ، كما يبدو مفهوما ان الرسول جاء ليتمم مكارم الاخلاق ، بمعنى ان هنالك تراكما دينيا اخلاقيا توّجه الاسلام بمنظومات اخلاقية اعمق واكثر انسانية ، في موازاة التراكم المعرفي الذي ورثه الاسلام واضاف اليه. وسط هذا التراث الكبير ، والمفقود للاسف ، نبحث اليوم عن اخلاقيات السياسة ، والانتخابات ، والاقتصاد ، وغيرها ، ونتساءل مع الجابري مثلا: اين هو العقل الاخلاقي العربي ، وهل صحيح ان لدينا عوالم للاخلاق لا مجرد عالم واحد؟ ومنظومات ومستويات لا منظومة او مستوى واحد؟ وان ثمة اخلاقا للقبيلة واخرى للغنيمة وثالثة للعقيدة ورابعة للعامة..والخاصة ، والمرشح ، والناخب.. الخ. لا ادري اذا كان استحضار مفهوم الاخلاق ضروريا في مواسم الانتخابات مثلا ، ام ان السياسة - كما يروج في عصرنا - منزوعة من الاخلاق اصلا؟ لم تستوقفني - بالطبع - بعض المظاهر والتجاوزات التي يجري تداولها بكثير من الاستهجان على صعيد الاستعدادات للدخول في ماراثون الوصول الى البرلمان ..بقدر ما الح عليّ سؤال الاخلاق: هذا الغائب والمطلوب الذي يعتبر جوهر رسالة الاديان كلها..فهو في الاسلام - مثلا - فريضة لا مجرد فضيلة ، واعمال وممارسات لا مجرد اقوال ونظريات ، وصفات ضرورية ثابتة مطلقة لا كمالية او مؤقتة. في مواسم الانتخابات - وفي غيرها ايضا - نفتقد الاخلاقيات ونبحث عنها ، لكن السنا بحاجة الى قوانين اخلاقية تخرج من رحم ديننا وثقافتنا وحاجاتنا ، وتحاصر هذا العبث الذي يستهدف نواميسنا القيمية والوطنية؟ السنا بحاجة الى اعادة النظر في كثير من “الاخلاقيات” التي دخلت الى مجتمعنا بلا استئذان ، واعادت تفكيكه لتمرير منفعة عابرة ، او اهواء شخصية منبتّة عن سياقاتنا الفطرية؟ بلى ، والف بلى..