×
محافظة المنطقة الشرقية

القرية التراثية بجازان تجمع الآباء بأبنائهم في الجنادرية

صورة الخبر

الإنجاز الأمني الجديد الذي حققه الجيش اللبناني، عبر كشفه شبكة تفجير كانت تنوي إزهاق أرواح جديدة في مناطق لبنانية مختلفة، جاء غير مسبوق. ذاك أنها من المرات النادرة التي استبقنا فيـها الكارثة قبل وقوعها. لكن هذا الجهد الأمني وازاه جهد آخر قام به «حزب الله» سيكون مهدِّداً للإنجاز. فقد تولى الحزب عبر صحافييه المعتمدين، وبعض وسائل إعلامه، الإيحاء بأن هذا الإنجاز «ثمرة عمل بدأه الحزب في سورية»، واعداً مؤيديه بمزيد من الإنجازات. والحال أن ربط الحزب بين كشف الجيش اللبناني الشبكة الإرهابية، وإلقاء القبض على رأسها وتفكيك سيارتين مُفخختين كانتا على وشك الفتك بمدنيين أبرياء، وبين نشاطه في سورية، يعيدنا إلى مسألة شديدة الخطر علينا جميعاً. فالحزب يريدنا أن نُقاتل معه في سورية. يريدنا أن نُحاصر البلدات التي يُحاصرها، وأن نكون جزءاً من كتيبة أبو الفضل العباس التي أنشأها الحرس الثوري الإيراني هناك في دمشق. عمل الجيش اللبناني وانجازاته في لبنان، كما صورهما إعلام الحزب ومخبروه، هما امتداد لعمل الحزب في سورية. هذا الفعل سليل أفعال لطالما لجأ لها «حزب الله» عبر قسرنا في أفعاله. أما الخطورة في ذلك فتتمثل في عملية الربط بين مكافحة أجهزتنا الأمنية الإرهاب في بلدنا وقتاله هو الى جانب النظام في سورية. وعملية الربط هذه سياسية قبل أن تكون تقنية. ذاك أننا نُقاتل الإرهاب لأن الإرهاب مجرم ولأنه استهدف مدنيين في بلدنا، في حين يُقاتل «حزب الله» في سورية لأهداف مختلفة تماماً. يُقاتل الى جانب نظام لا يقل إجراماً عن الإرهاب الذي يستهدفنا، ووظيفة قتاله ايرانية بالمطلق. وسعي الحزب الى الربط بين حربنا على الإرهاب وبين قتاله إلى جانب النظام السوري، هو حرفياً عملية تشريع للإرهاب وللقتل في بلدنا، ومساعدة للقتلة في ادعائهم أنهم بأفعالهم يردون على «حزب الله» في سورية. إنهم قتلة، مجرد قَتلة، ومدهم بحجج وأسانيد لأعمالهم، لن يكون أكثر من مساعدة مجانية لهم. لقد زودهم الحزب بقضية تُخرج جريمتهم من حقيقتها ومن جوهرها بوصفها جريمة مجردة من أي قيمة وأي معنى. زودهم بقضية لجريمتهم. بالأمس، وفي اليوم نفسه الذي سرب فيه «حزب الله» «المعلومات» عن دوره في الإنجاز، كان عمر محمود عثمان (أبو قتادة)، وهو الداعية الذي كان أفتى بجواز قتل النساء والأطفال في الجزائر، واقفاً في قفص المحاكمة في عمان يعلن تأييده لـ «عمليات كتائب عبدالله عزام في لبنان» ويحمّل الجيش اللبناني المسؤولية بسبب دعمه «حزب الله» في سورية على حد زعمه. فكم سيجد أبو قتادة في ما بثّه «حزب الله» حول دوره، مدداً بوقائع تخلق لفتاواه الركائز والمرتكزات؟ التوقف عند تطرق أبو قتادة الى ما يجري في لبنان ينبغي تعميقه. ذاك أن الرجل لعب أدواراً قذرة في مناطق مختلفة من العالم. كان مفتي «القاعدة» في المغرب العربي، وربطته علاقات مع الجماعات اليمنية، ومع مجموعات من الشيشان وغيرها، ومَدّ اهتمامه الى لبنان يؤشر الى شيء يجب عدم اهماله: فهو وإن كان نزيل سجن في عمان، إلا أنه سبق أن أدى أدواراً دموية من مركز إقامته في لندن وتحت الرقابة المشددة للمخابرات البريطانية، لا سيما فتواه الشهيرة بجواز قتل نساء جنود الجيش الجزائري وأطفالهم. ذاك أن مستوى تأثيره في بيئة التكفيريين في كل العالم يتعدى اليوم مستوى تأثير أي داعية آخر. هذه السويّة من الخطر لا يُمكن أن تُواجَه بأن ينسب «حزب الله» الى نفسه دوراً في ما حققه الجيش اللبناني من انجازات اخيراً. فالمسألة تعدت سجالاً داخلياً يحتاج الحزب فيه إلى انجازات يستعرضها أمام اللبنانيين بفعل الإرهاق الذي يُكابده. فالجماعات التكفيرية تنمو بفعل هذا النوع من السجالات، والعمل الأمني في مواجهتها مركّب ويتخلله مقدار من الدهاء يتجاوز همّ تسجيل نقطة نصر وهمي. لا يمكن مثلاً مكافحة الإرهاب من دون الارتباط بشبكة معلومات تؤمنها علاقات مع أجهزة الأمن الدولية (القبض على ماجد الماجد نموذجاً)، وهذه المسألة غير متاحة لـ «حزب الله». كما لا يمكن مكافحة الإرهاب من دون تواطؤ تؤمنه البيئة التي يسعى الإرهاب للتوطن فيها، وهي في لبنان بيئة الطائفة السنية، وهذه البيئة تربطها علاقة صدام مع الحزب ولن تكون متعاونة اذا كان الحزب من يتولى المهمة. أما الشرط اللبناني الثالث لمكافحة التكفيريين، وهو الأهمّ، فالسعي الى عزل الإرهاب عما يدعيه، لجهة أنه يقتل المدنيين رداً على قتل «حزب الله» المدنيين في سورية، أي بذل جهد لتصوير القتلة بصفتهم هذه، بصفتهم قتلة، لا بصفتهم يُقاتلون في سياق قتال أوسع وأعمق. عودة «حزب الله» من سورية هي الشرط الاستراتيجي لمكافحة الإرهاب في لبنان ولوأده. أما الشروط المرحلية، بما أن أمر الحزب ليس في يده حيال مسألة عودته من سورية على الأقل، فهي أن يُعفينا من انجازاته وأن يترك أمرنا للجيش اللبناني وللقوى الأمنية الرسمية. ومن المستحسن، في حال كان له دور، أن يبقيه بعيداً عن أعين ومسامع أبو قتادة وصحبه. فالعمل الأمني لا يستقيم اذا كان متوازياً مع سعي الى الاستثمار السريع. ومثلما تُعطل السياسة الإنجاز الأمني، يُعطل هذا الإنجازُ السياسةَ عندما تنبني عليه. فبعد نفخ «حزب الله» في قضية بلدة يبرود السورية بصفتها البلدة المُصدرة للسيارات المُفخخة، تبين أن نعيم عباس يفخخ السيارات في بيروت. وهذه قرينة قد تُساعد الجيش على تصوير مكافحة الإرهاب بصفته أمراً مستقلاً عما يجري في سورية. وصحيح أنها لا تكفي، لكنها قد تساعد... شرط ألا يعيد «حزب الله» على مسامعنا أصداء كلام مشابه لكلام أبو قتادة.