×
محافظة المنطقة الشرقية

18 بحثاً عن الإبل يجريها مركز أبحاث جامعة الملك فيصل

صورة الخبر

كم نحن بحاجة إلى تنوير المجتمع بكافة أطيافه ليمنع انتشار تلك السلوكيات والممارسات المشينة بحق النساء، تنوير يحول دون استغلال الدين لصياغة مبررات لا تستقيم وروح النص الديني ومقتضيات العصر تعيدنا وفاة طالبة الدراسات العليا في جامعة الملك سعود الأسبوع قبل الماضي، إلى حالات مشابهة حدثت لطالبات آخرَ في مواقع مختلفة من بلادنا، سواء أكانت فردية كوفاة طالبة كلية المعلمات في جامعة القصيم منذ سنوات، إذ مُنع المسعفون من الدخول بحجة أن الكلية كانت مكتظة بالطالبات،أم بشكل جماعي كما في حريق مدرسة مكة في العام 2002، عندما منع أعضاء الهيئة رجال الدفاع المدني من دخول المدرسة، حتى تفحمت جثث بعض الفتيات، وكذا حريق مدرسة (براعم الوطن) في مدينة جدة، علاوة على حوادث أخرى مختلفة تقع بين الحين والآخر هنا وهناك! فهل تغير شيء منذ تلك السنوات؟ وهل تعلمنا من تلك الكوارث بما يحول دون تكرارها؟ قطعا لا، ولن تكون الطالبة آمنة باوزير- رحمها الله - الأخيرة، مادامت بين ظهرانينا عقول ران عليها الجهل، وغلفتها سحب التخلف، وسيطر عليها الخوف من فقدان المنصب إن هي قدمت مصلحة الفتيات على مفاهيم عفى عليها الدهر! أناس لا تعنيهم حياة الفتاة بقدر ما يعنيهم إحكام الأغلال عليها؛ لتكون في وضع هو أقرب ما يكون إلى التعليب وليس التعليم. ما يحدث للمرأة عموما في بلادنا، يكشف عن خمول فكري وسكونية باهظة، وشيخوخة عاجزة عن التعامل مع الكوارث التي تتعرض لها النساء في المؤسسات التعليمية وغيرها، ما يؤكد أن المرأة ما زالت ضحية للثقافة القامعة التي كبلتها منذ نعومة أظفارها. بادئ ذي بدء لابدّ من التسليم بأن وجود المرأة مشكلة في مجتمعنا، ولعلي لا أبالغ عندما أقول إنها ضحية الثقافة المنغلقة، وما يحدث لها من إشكالات تعرضها للموت أو للعاهات يعد انتهاكاً صارخاً لحقوقها، وامتهاناً لكرامتها وإنسانيتها، والصمت على ما يقع عليها يغري بتكراره وشرعنته وممارسته من قبل (حراس الفضيلة) في اطمئنان تام إلى عدم المحاسبة والمساءلة! كم من الحوادث تتعرض لها النسوة في التجمعات النسائية المغلقة، من مدارس وجامعات وأسواق وصالات احتفالات وصالونات تجميل! ناهيكم عن حوادث المصاعد التي تتعطل ولا يمكن فتحها ما يعرض حياة النسوة اللاتي في داخلها للموت نتيجة نقص الأوكسجين! ولأن الشيء بالشيء يذكر، أقول ما زلنا نذكر الفتاة التي سقطت من حاجز الدرج المتهالك في إحدى الجامعات في الرياض منذ ما يزيد على العشرين عاما، ولم يسمح الحراس حينها لرجال الدفاع المدني بالدخول، حتى جاء ولي أمرها، وهنا نتساءل لماذا لم يتغير شيء منذ تلك السنوات وحتى اليوم؟ لماذا لم تسن قوانين صارمة تحذر من إعاقة إنقاذ المرأة أيا كان الحادث؟ لماذا لم تنشأ مراكز طبية متكاملة في الجامعات والكليات والمدارس التي تضم آلاف الطالبات والهيئات التعليمية والطواقم الإدارية؟ الأمر الذي يجعلنا نتساءل بمرارة وخوف من الضحية التالية؟ وأين؟ ومتى؟ أيضا ما زلنا نتذكر احتجاز عدد من النسوة والأطفال في مصعد سوق نسائي في الرياض، وكيف رفض الحراس دخول رجال الدفاع المدني لعالم النساء المعتم، وطلبوا منهم تعليم الحارسات كيفية إصلاح المصعد، حتى استطعن إصلاحه في زمن لم يشعر بطوله وخطره إلا اللاتي كن داخله مع أطفالهن، وكذا نتذكر الفتاة التي تعثرت وسقطت في أحد المولات الفخمة شمال الرياض، وفقدت وعيها، وأخذ الباعة والرواد يتأملونها دون أن يخفوا لإنقاذها، حتى هبت إحدى السيدات لمساعدتها، ولمّا استفسرت من مدير المول عن تهاونهم في إسعافها، أجاب لا نستطيع لمسها فهذه مسؤولية، فقالت لماذا لم تطلبوا الإسعاف؟ فأجابها حتى الإسعاف لا يحملها إذا لم يكن معها محرم!! وهنا لن يعترينا العجب من تمسك رجال الإسعاف بالمحرم، مادام أحدهم أفتى منذ أيام بأنه لا يجوز للمرأة أن تذهب لمستشفى أو عيادة بلا محرم، بل تعقد الدهشة ألسنتنا من هذا الاستهتار بالمرأة حدّ حشرهم ذلك الكائن المسمى محرماً حشرا في كل شؤونها! فماذا عن الأرملة والمطلقة واليتيمة والعزباء، ومن ليس لديها إخوة أو أبناء؟ هل تبقى بلا علاج؟ وماذا عن الرجال الذين يسمون أولياء المرأة الذين قد يتلقفون تلك الفتوى فيبتزون التي تحت ولايتهم فلا يذهبون بها للطبيب، ولا يتركونها تذهب بمفردها، خوفا من انفراده بها، علما أن كل المستشفيات والعيادات لا يباشر الطبيب المريضة إلا بحضور ممرضة، ثم مادام هناك من يصرعلى ألا تتحرك المرأة شبرا بلا محرم، فلماذا تمنع من قيادة سيارتها؟ بل لماذا لم يمنع أحد من محترفي الفتوى ركوبها مع السائق بلا محرم؟ وإذا كان صاحب تلك الفتوى أضاف (بأن الضرورات تبيح المحظورات) فما الداعي لما تفضل به أصلا؟ ثم هل ثمة امرأة تذهب للمستشفى بلا ضرورة تدعوها لذلك؟ كم نحن بحاجة إلى تنوير المجتمع بكافة أطيافه ليمنع انتشار تلك السلوكيات والممارسات المشينة بحق النساء، تنوير يحول دون استغلال الدين لصياغة مبررات لا تستقيم وروح النص الديني ومقتضيات العصر، حتى نتحرر من قبضة المقولات التي يزعمون قدسيتها بطمسها وتنقية الذاكرة الجمعية منه. لقد نجح المتشددون في حصر المرأة في البعد الجنسي، وتمكنوا من محاصرتها وضرب الخناق عليها، بتغييبها عن البعد الاجتماعي بصفة تتحدى أغلب النظريات الأنثروبولوجية في أن الحضور الجنسي يحتم الحضور الاجتماعي، وفي أنه لا تضارب بين هذين الوجهين اللذين يمثلان الواقع الإنساني منذ أقدم العصور! وفي هذا الموضوع نجد كثيراً من القضايا التي جعلوا منها قيداً تقيّد به المرأة باسم الدين والدين منها براء؛ بما هي تصورات واجتهادات مغلفة بغلاف الدين كي يضمنوا رواجها وعدم تغييرها، حتى إن بعض المسؤولين عن مواقع تعليم المرأة وتوظيفها وتسوقها وترفيهها، يتعاملون مع تلك المواقع وكأنها محمية من المحميات الطبيعية التي لها شرائعها وقوانينها الخاصة بمعزل عن الشرائع والقوانين العامة. إن الإخلال في حماية أرواح النساء - وتجاهل الأوامرالدينية التي تكرم الإنسان، وتجعل حياته أمانة في عنق المسؤول، علاوة على إغفال القاعدة الفقهية التي تقول:الضرورات تبيح المحظورات - يأتي من الحرص على تثبيت مبدأ عدم اختلاط الرجال بالنساء، حتى وإن أدى ذلك إلى موت محقق! الخوف من الاختلاط هو ذلك الهاجس الذي يتحكم بنا ويُسير جميع مناحي حياتنا، حتى أصبحنا بموجبه أصحاب السبق العالمي في استغلال تقنيات العصر، للتشبث به والحفاظ عليه، ما أدى إلى تقسيم المجتمع إلى فضاءين: عام وخاص، فحُظر الاختلاط، وأقصيت المرأة عن الفضاء العام، ومُنعت من الاقتراب أو تجاوز محيطها، وفُرض عليها نوع من اللباس الخاص والهيئة الخاصة التي جرى بموجبها تصنيف النساء في بعض الخطابات المتشددة إلى نساء في الجنة وأخرَ في النار! إن بعض من يتولى العملية التعليمية دوغمائيون؛ يتسمون بسمات أبرزها قدرتهم على إقامة حواجز معتمة وأغلال سميكة وأسوارعالية، وبوابات تفضي إلى أخرى عليها حارسات وحراس غلاظ شداد، يتعاملون مع الأحداث والكوارث من منطلق لا أريكم إلا ما أرى. لهذا لابدّ حفاظاً على أرواح النساء من اجتراح آليات جديدة للإنقاذ، تلزم بها كل الجهات المعنية من هلال أحمر إلى دفاع مدنيّ إلى سيارات إسعاف فيها ممرضات يباشرن إنقاذ النساء المصابات، ويجب تزويد منسوبي الجهات الإسعاقية بتعليمات صارمة تقضي بعدم استئذانهم من أحد، وعدم استجابتهم لتدخل بعض من لا يقيمون حرمة لحياة النساء، والإعلان عن عقوبات تطبق على الرافضين؛ سواء أكانوا أولياء المرأة، أم محتسبين،أم متحمسين، أم حراساً،أم مسؤولات ومسؤولين أغرتهم السلطة فمارسوها غير عابئين بما يترتب عليها من موت محقق، دفاعاً عن حصون الفضيلة التي يدكها المسعفون، لينصاع الجميع؛ ذلك أن بعضهم يؤمن إيمانا مطلقا بأنه خير للمرأة أن تموت من أن يباشر إنقاذها رجال، وبعضهم الآخر يتردد كثيرا في إنقاذها عندما تتعرض لخطر ما خوفا من لمسها، ولا أظن أن رجلا سويا قد يساوره أيّ شعور في تلك اللحظات التي يهب فيها لمساعدة امرأة في خطر سوى الشعور بمسؤولية إنقاذها، وحتما إنه ذات الشعور الذي كان يراود رجال الإسعاف عندما ينتظرون السماح لهم بدخول المحميات التعليمية، وليس الاستمتاع برؤية نسوة يعتريهن الخوف مما قد يحدث لهن لو استمرّ الإصرار على تطبيق قانون المحميات عليهن. والمؤسف في هذا الأمر أن التعليم حتى مراحل عليا، لم يفلح في فضّ سجون العقل وكسر تلك الجدران الصماء المحيطة به، ولم تعد الأنثى في هذا المناخ توأد جسدياً كما كان الأمر في الجاهلية، فما زالت عملية وأد حقوقها ومكتسباتها ومقدراتها العقلية والإبداعية وترويضها ضاربة أطنابها في مستويات عدة؛ تعليميا وإعلاميا ومجتمعيا، حتى وصل الأمر إلى مصادرة حقها في الحياة! لأن هناك من يصر على أن تبقى المرأة حبيسة منظومة أفكار وعادات متوارثة يعود جلها إلى مرحلة مجتمعات الاستعباد التي ظلت تأثيراتها الثقافية تمارس فعلها كموروث حي، حتى بات يشكل وعي المرأة لنفسها وللعالم من حولها..