لا يوجد أي مجال للشك بأن السوق النفطية الصينية أصبحت تنافسية بشكل كبير جدًا هذا العام، في ظل التنافس بين جميع دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وبين الدول خارجها مثل روسيا. ولا تزال السعودية حتى الشهر الماضي هي صاحبة الحصة الأكبر في السوق الصينية بحسب الأرقام الرسمية لحكومة بكين، إلا أن هذه الحصة تذبذبت كثيرًا وتقلص الفرق الكبير بينها وبين حصة روسيا لتصبح المنافسة حادة جدًا بينهما. ورغم أن السعودية صاحبة الحصة الأكبر، فإن كمية النفط التي تستوردها الصين من المملكة تناقصت هذا العام، إذ أظهرت بيانات الجمارك الصينية التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» أن كل واردات الصين من كل الدول المعلنة زادت في السبعة الأشهر الأولى هذا العام فيما انخفضت من السعودية ومن جنوب السودان. وأظهرت الأرقام الرسمية أن الصين استوردت في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي نحو 30.5 مليون طن متري من النفط السعودي، بانخفاض قدره 0.4 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي، فيما استوردت الصين من روسيا نحو 29.5 مليون طن متري خلال الفترة نفسها بزيادة قدرها 27 في المائة عن العام الماضي. وفي ظل منافسة شرسة مثل هذه، أصبح من المهم أن تعزز السعودية مكانتها النفطية في الصين، بمزيد من الدعم السياسي والاستراتيجي وهو ما يجعل زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الصين في غاية الأهمية. وأمام منافسة شرسة بين السعودية وروسيا من جهة، وزيادة صادرات النفط إلى الصين من دول كثيرة مثل العراق وإيران مع زيادة محتملة مستقبلاً في ظل نمو الإنتاج في هذه البلدان، فإن إعطاء خصومات سعرية على النفط ليس مجديًا خاصة أن المملكة تضع أسعارها قبل جميع دول الأوبك في منطقة الخليج. ولهذا أصبح من المهم جدًا ابتكار وسائل أخرى للحفاظ على مكانة المملكة في السوق الصينية، وهنا تبرز وسائل مهمة مثل تخزين النفط في الصين وبناء أو المشاركة في المزيد من المصافي. * تخزين النفط ووقعت حكومتا المملكة والصين بالأمس 15 اتفاقية من بينها مذكرة تفاهم في قطاع الطاقة وأخرى في مجال تخزين النفط الخام. وستكون هذه الاتفاقية هي الأبرز حاليًا، فالمملكة لم يسبق لها تخزين النفط في الصين وستكون هذه هي المرة الأولى التي سيتباحث فيها الجانبان حول هذا الأمر. وتمتلك المملكة حاليًا ثلاثة مواقع للتخزين، في جزيرة أوكيناوا في اليابان، وفي روتردام في هولندا، وفي سيدي كرير في مصر. وكان للمملكة صهاريج لتخزين النفط في جزر البهاما قريبًا من الولايات المتحدة ولكن تم إقفال هذه المنشأة قبل ما يقرب من 7 إلى 8 أعوام. وتعاني أرامكو السعودية من بعض القيود على قدرتها لتسويق مزيد من النفط في الصين. فهناك كثير من المصافي الصغيرة المعروفة باسم «مصافي أباريق الشاي» والتي تكرر كميات ضئيلة جدًا من النفط لا تستطيع أرامكو الدخول معها في التزامات طويلة الأجل. وباعت أرامكو في مايو (أيار) الماضي شحنات فورية لمصافي صغيرة في الصين للمرة الأولى وهو ما جعل مصرف سيتي غروب الأميركي يقول إن أرامكو تغير سياستها التسويقية من أجل الحفاظ على حصتها. وبوجود الصهاريج ستتمكن كثير من هذه المصافي الصغيرة من الحصول على شحنات باستمرار. كما أن عملاء أرامكو القائمين في الصين قد يحتاجون إلى شحنات سريعة ومفاجئة وهذا ما يجعل وجود صهاريج للتخزين أمرًا مهمًا. ويقول المحلل الدكتور محمد الرمادي: «بفضل استراتيجية تخزين النفط في اليابان تمكنت السعودية من تدعيم تسويقها في آسيا وتلبية طلب العملاء بسرعة، وأمر مثل هذا مناسب جدًا لتنمية الطلب من العملاء في الصين والذي يحتاجون لشحنات فورية بعد أن أصبحت المنافسة في سوق العقود طويلة الآجل صعبة». * جهود صعبة ويقول المحلل الدكتور أنس الحجي إن السعودية استثمرت وقتًا طويلاً وجهدًا في بناء حصتها السوقية في الصين، ولكن روسيا تمتلك قدرة تنافسية عالية بسبب التصدير عن طريق الأنابيب إلى الصين، إضافة إلى الاتفاقيات النفطية التي أبرمها البلدان لتعزيز شراكتهما النفطية. وتمكنت أرامكو السعودية من خلال جهود كثير من أبنائها الذين تعاقبوا على رئاسة مكتبها في الصين من بناء حصة سوقية هناك رغم منافسة جميع البلدان. وبنت أرامكو علاقات قوية مع الصينيين من خلال زرع أشخاص يتحدثون الصينية ودرسوا في الصين، مثل الدكتور محمد الماضي والذي ارتفعت مبيعات أرامكو إلى الصين في فترة رئاسته لمكتب أرامكو هناك بصورة كبيرة. وبناء على أرقام الجمارك الصينية التي قامت «الشرق الأوسط» بجمعها وتحليلها فإن واردات البلد الآسيوي من النفط السعودي كانت تنمو بصورة بسيطة حتى 2007 وهي السنة التي تسلم فيها الماضي زمام الأمور هناك. ففي عام 2004. كانت الصين تستورد في المتوسط نحو 346 ألف برميل يوميًا من النفط السعودي ثم ارتفعت في العام الذي يليه إلى 445 ألف برميل يوميًا وواصلت النمو لتصل إلى 479 ألف برميل يوميًا في 2006 وهو العام الذي سبق وصول الماضي إلى الصين. وفي العام الثاني للماضي في الصين أي في 2008 قفزت قفزة كبيرة جدًا لترتفع إلى 730 ألف برميل يوميًا. وارتفعت واردات الصين خلال 2009 إلى 842 ألف برميل يوميًا في المتوسط، من 730 ألف برميل يوميًا في 2008. ولم تتوقف عند هذا الحد بل استمرت في النمو إلى 896 ألف برميل يوميًا في 2010، ثم تجاوزت سقف المليون برميل يوميًا في 2011 وهو المستوى الذي ظلت عليه حتى 2013. * المزيد من المصافي وستكون زيارة الأمير محمد بن سلمان مهمة لتعزيز وجود النفط السعودي من ناحية أخرى، وهي ناحية التوسع في تكرير النفط الخام، فأرامكو السعودية لا تزال في مفاوضات منذ سبع سنوات تقريبًا مع شركة بتروتشاينا المملوكة للحكومة الصينية من أجل الدخول كشريك في مصفاة يونان التي اقترب موعد تشغيلها.