الوزراء المنتخبون... مُدمّرون. تحت هذا العنوان العريض، ينظر الكويتيون الى نواب جلسوا على مقاعد وزارية ليفسدوا فيها، بعد أن حوّلوا وزارات كبرى دوائرانتخابية تدور فيها حسابات المصلحة الشخصية على حساب القانون والتنمية والكفاءات. تجربة فرضها الدستور بنية مثالية، هدفها اضفاء الشرعية على الحكومة، وتأصيل مبدأ التمثيل الشعبي في السلطة التنفيذية، غير أن الممارسة على الأرض، غالباً ما وضعت «المحلل الدستوري» و«المحلّلات»... محللاً لما حرّمته المبادئ الدستورية، حين يُسخّر الكرسي الحكومي لتثبيت الكرسي النيابي، وتُطوّع الادارات لخدمة «الأجندات». ويتذكر الكويتيون على هذا النحو، كوارث إدارية وقعت بسبب «وزراء شعبيين» نقلوا رواد ديوانياتهم إلى ديوان الوزارات ونصّبوا «قيادات» قادوا العمل نحو الفوضى والتخبط والعبث. ولم يعد خافياً هيمنة قوى «انتخابية» حالياً على وزارة خدمية، وضعت «القائد الأعلى» لها في موضع مريح على خريطة الانتخابات المقبلة، بفعل تعيينات الباراشوتات، وخدمة «المفاتيح»، وتنفيع الأقربين، ودعم المؤثرين انتخابياً. ويرصد مراقبون، تجرّؤ وزير منتخب على تعطيل استراتيجيات عمل، وقوانين أقرتها مجالس سابقة تسحب من سلطته ادارات وكيانات، يرى أنه بحاجة ماسة لها لتعيين المقربين وأبناء الدائرة دعماً له في عرسه الانتخابي، منقلباً بهذا النهج على خطط التنمية لمصلحة تنمية صناديق الاقتراع. واستناداً على تقييم مسارات هذه التجربة الممتدة منذ سنوات، يعمل الوزير النائب بارتياح شديد غير مكترث من نتائج قراراته التدميرية وسياساته العبثية، باعتبار أن عودته الى قاعة عبدالله السالم مضمونة سواء كان نائباً أو وزيراً، وهو ما يضعه في حالة نفسية جيدة دائماً ليكون منفرداً في سلطته بلا خوف ولاتردد ولا خشية من خسارة المنصب الحكومي. ولاشك في أن السلطة التنفيذية عندما تستمد قوتها من شرعيتها الشعبية، تكون أكثر فاعلية وقدرة على العمل والانجاز، لكن وفق نظام واضح المعالم، مثلما هي التجربة واضحة وماثلة في النظم السياسية المتبعة عالمياً في الديموقراطيات العريقة، حيث قدرة الحزب الفائز في الانتخابات على اختيار من يملك القدرة على تنفيذ برنامجه الانتخابي من الوزراء في ظل رقابة برلمانية محكمة تحاسب المقصرين على أي اخفاق. بيد أن التجربة الكويتية المنفردة بنظامها الضبابي، جعلت من الوزير المنتخب خارج رقابة من احتاجه مرغماً ليحلل الحكومة دستورياً، وبعيداً عن عيون زملائه النواب لأسباب منها الانتخابي ومنها الاجتماعي ومنها السياسي أيضاً. ويمكن من هذه التجربة رصد حقيقة تاريخية بأن الوزراء المنتخبين هم أقل عرضة للمساءلة السياسية قياساً بالوزراء المعينين انطلاقاً من الحصانة التي يتمتعون بها... حصانة القبيلة أو الطائفة أوالجماعة أو التجمع. واستناداً على معطيات التجربة القائمة حالياً، فقد بلغت السلبيات حداً أعلى في «الفشل والتعثر والفساد» بحسب مايراه المراقبون، حيث وصل «وزراء منتخبون» ذروة التمادي على القانون والنظم واللوائح والمشاريع والخطط، حتى بات خيار المراجعة واعادة التقييم مطلباً شعبياً تحتمه المصلحة الوطنية، بعد انكسار قواعد العمل المؤسسي تحت ضربات التجاوز والعبث وتحطيم الطاقات لغاية مصلحية تستهدف كسب ود الناخبين. ويبدي المراقبون خشيتهم من اتساع دائرة الفساد الاداري الذي يضرب أطنابه في وزارات يقودها «منتخبون» كلما اقترب موعد الانتخابات، في حين يرى كثير منهم أنه بحلول موعد الاستحقاق الانتخابي ستكون هذه المؤسسات الحكومية قد نحرت من الوريد إلى الوريد. وأمام هذه الحالة العبثية التي جسدت أبشع صور استغلال المنصب لتوسيع النفوذ، وتثبيت القواعد، وتضبيط الأحباب، وتهيئة الوضع انتخابياً واجتماعياً وأحيانا مالياً وفقاً لما يراه كثيرون، يقف رئيس الحكومة أمام تحديات كبيرة لقياس مدى قدرته على ترميم ما هدّه «المنتخبون» في حال استمرت هذه التجربة بهذا السوء بوجود من يحمل معاول الهدم والتخريب ولسان حاله يردد «قال من امرك قال من نهاني». فمن بين 50 نائباً يمكن لرئيس الوزراء بحسب المادة 56 من الدستور اختيار واحد منهم لاضفاء الشرعية على حكومته من دون الحاجة الى التوسع بالتجربة، بوجود سوابق حولت كثيراً من المؤسسات الحكومية ملاعب انتخابية اربكت حركة التوظيف وبعثرت خطط ديوان الخدمة المدنية وأرهقت الميزانيات، على أن يكون المحلل مقنعاً بخبرته التشريعية ونزاهته وقدرته على العمل بعيداً عن الحسابات الانتخابية. ويرى مراقبون في هذا السياق، أن تأمين الحكومة من هجوم التيارات السياسية الممثلة في مجلس الامة أو حتى القبلية، يمكن تحقيقه عبر اختيارات من خارج البرلمان يكون فيها المجال واسعاً لتنصيب واحد من هذه الجهات يكون على قدر من الكفاءة والدرجة العلمية من دون الحاجة الى خدمات نائب سيكون في الغالب راضخاً لمن ساهموا بايصاله إلى البرلمان. فالصورة تبدو قاسية ومؤلمة عندما تتبدد أحلام شباب طموح وكفاءات ومجتهدين على يد وزير وصل إلى دفة القيادة، مردوفاً بحاضنة شعبية مناطقية فقدت فيها موازين الاختيار الأمثل تحت سطوة الحظوة الاجتماعية والقبلية والطائفية، على حساب معايير العلم والثقافة والنزاهة.