في خضم التغيرات السريعة التي مرت بها الأجواء السياسية العالمية والتطورات لابد من إعادة صياغة نظرية تحليلية حول الأحداث الجارية للوصول إلى اقتراب نظري لتفسير وتحليل مغاير للأزمة السورية والتي تمر على منعطفات خطيرة على المستوى المحلي والمستويين الإقليمي والدولي، وهذا يتحدد في عدة مستويات يجب صياغتها بشكل من التكامل لإعطاء تفسير وتحليل للوصل للنقاط النهائية، وهي من الجهة الأولى معطيات محلية المتغيرة ومن جهة ثانية التأثير الإقليمي وأخيراً الجانب الدولي. الثورة السورية حتى وقت قريب كانت تأخذ في سياق الثورة الشعبية على النظام استبدادي طائفي كجزء من الربيع العربي، إلا أنها بدأت تأخذ سياقات أخرى لتنتقل إلى شكل أرض مصالح متضاربة فبدأت تتوسع لتكون منطقة صراع طائفي إقليمي وصولاً لتماثل المصالح القوى الدولية. فعلى المستوى المحلي أنتقل الصراع من بين الثوار المدنيين والنظام إلى وجود جماعات مقاومة محلية انظم إليها جماعات من الخارج لتكون على خط الصراع، وظهور التنظيمات ذات أطماع سياسية وتوجهات أيديولوجية خارج أهداف الثورة السورية تنظيم الدولة الإسلامية داعش على سبيل المثال – وهذا ما أدى إلى تغير الموازنات الدولية، فبعد الإصرار الدولي وبالأخص القوى الغربية على رحيل نظام الأسد كان الخيار هو التريث لتحديد معالم المرحلة المقبلة والقوى المشاركة فيها، أيضا استغلال بعض لجماعات المحلية لتحقيق مصالحها الخاصة مثل أكراد سورية وهي استئناف النضال من اجل قضيتهم وهي إنشاء دول قومية كردية مستقلة وفي سبيل ذلك أصبح هناك تحالف مع تنظيم الدولة الإسلامية داعش تحت مسمى قوات سوريا الديمقراطية والتي تضم مجموعات من المقاتلون ذوو المرجعيات المختلفة مع الغالبية الكردية، هذا ما جعل تركيا في الوقت القريب تتحرك لمواجهة ذلك بتنسيق مع روسيا، حتى أصبحت الأرض السورية مطمع وأرض تنازع مصالح لمن لا مصلحة له. استدت تلك التطورات قبل عامين من الآن إلى وجود تدخلات إقليمية ذات أهداف طائفية من دخول ميلشيات حزب الله والدعم النوعي والبشري الإيراني لنظام الأسد مما جعل الباب مفتوحاً لتوافد المجاهدين من جنسيات أخرى للجهاد ضد العدوان الشيعي الطائفي على الشعب السوري، حتى وصول هذا التطور إلى شكل أرض نزاع دولي عندما أصبحت الأرض السورية محل تصفية حسابات القوى الكبرى الغربية والشرقية، في ضل التراجع العربي الكبير وتباين المواقف – مصر على سبيل المثال – عدى دول الخليج التي تتمتع بالاستقرار السياسي والقوة الاقتصادية. في هذا من خلال ما تم سرده يمكن القول في نقاط: بأن الأزمة السورية أصبحت مرهونة بالقرار الدولي التوافقي إلى حد ما من قبل القوى العظمى وليس كما يضن البعض بأن قرار إنهاء الأزمة السورية هو مرهون بما يحدث على أرض المعركة، كون ما يحدث في أرض المعركة هو متوقف على دعم الأطراف الدولية وبالأخص روسيا، أي أنه مرهون بمن يمكنه التأثير على ما يحدث على الأرض، كما أن الأزمة ليس تأخذ مسارات الحل السريع بالمقياس الدولي – كوسوفو على سبيل المثال – بل الأمر يأخذ سنوات طويلة لوجود اطراف تضاد العالم كلة وغير مرغوب بها في العالم كله مثل داعش والقاعدة – أفغانستان على سبيل المثال – كما أن الحل ليس شكل واحد في ظل الظروف الحالية وليس محصور في المنطقة الجغرافية محل الصراع ذلك لكون وجود أطراف أخرى ربما تصل مرحلة الصراع إلى حرب صفرية ذات مدى إقليمي على الأرجح أو دولي، بالتالي الأزمة السورية أصبحت ذات شرارة تمس أمن الدول الإقليمية بالدرجة الأولى والعالمية الفاعلة بالدرجة الثانية. بالتالي يتوجب على القوى الدولية التنبؤ بالمستقبل في ظل هذه التطورات من أجل الحيلولة دون وقوع كارثة دولية ليس بها أحد رابح.