طرح فيليب سميث الباحث في جامعة ماريلاند في مقاله الذي نشر الأسبوع الماضي ضمن تقرير لـ«معهد واشنطن» سؤالاً عمَّا إذا كانت فصائل عمّار الحكيم من الميليشيات «الجيدة» أم «غير الجيدة» good guys or bad guys»؟ ففي مقالته «هل يجب بالفعل اعتبار قوات (المجلس الأعلى الإسلامي) ميليشيات (جيدة)؟»: «من بين الميليشيات الشيعية المتعددة التي تشكل (الحشد الشعبي) - الشبكة الأم التي تضم (وحدات الحشد الشعبي) التي تعترف بها رسميًا الحكومة العراقية - يمكن اعتبار بعض منها «جيّدة» من ناحية كونها قوات تتحلى بشعور أكبر من الوطنية، ولا تنخرط في (نشاطات جهادية) وعلاقاتها مع إيران متوترة أو محدودة بشكل أو بآخر. وغالبًا ما تم تصنيف «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» («المجلس الأعلى» أو «المجلس») والجماعات الحليفة له بـ«الحشد الجيّد» بحجة أنّها أفضل من الكثير من الوحدات الشيعية المتطرفة الخاضعة لسيطرة إيران بصورة علنية والعاملة في العراق. ومع ذلك، تشير التحليلات الأكثر دقة بشأن عدد من الميليشيات التي تقع تحت مظلة «المجلس الأعلى» إلى ضرورة إعادة النظر في هذه الفرضية...». وينتهي المقال بهذه التوصية «مع استمرار الولايات المتحدة في تشكيل تحالفات مع مختلف «وحدات الحشد الشعبي»، لا بدّ للإدارة الأميركية أن تعتمد نهجًا دقيقًا وحذرًا، يتمثّل في عدم اعتبار الميليشيات نفسها وعناصرها التشكيلية كتلة صلبة واحدة. بمعنى آخر، عليها توخي الحذر عند التعامل مع «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» وأن تدرك بأن هناك حدودًا للتعاون. ففي ظل الضغوط الخارجية التي تواجهها مجموعة المظلة الأم، وعدم قدرتها على بسط السيطرة الكاملة على الكثير من مجموعاتها الحليفة، تمرّ هذه المنظمة الأم اليوم بمرحلة معقدة، ولا سيما مع محاولتها اللعب على جميع الأطراف والتطرّق إلى الكثير من المصالح المتنافسة في كثير من الأحيان». (انتهى). تعاطي أميركا إذن مع القوى الفاعلة تجاوز الكتل الكبيرة (سنة، شيعة، أكرادا... إلخ) وانتقل للتعاطي مع فسيفسائها، أي مع تقسيمات المقسم! فعمار الحكيم أحد التشظيات العراقية، رغم كونه أحد مراجعها الكبرى، إضافة إلى السيستاني والصدر و... وبينهما خلافات فقهية بدأت تتحول لخلافات سياسية تشكل تهديدًا، لا على مصالح الشيعة، بل على المصالح الأميركية، بعدما أصبح لكل مرجعية فقيهة ميليشياتها المسلحة، فإذا أضفنا لها الميليشيات التابعة للمرجعية الإيرانية، فإن العراق قد يكون مقبلاً على حمام دم شيعي- شيعي، عاجلاً أم آجلاً. وأوس الخفاجي، الذي هدّد السفير السعودي، ما هو إلا قائد لإحدى الميليشيات في أحد ألوية الحشد الشعبي، وهو لواء أبو الفضل العباس، الذي يدين للمرجعية الإيرانية، أي للسيد خامنئي، بالولاء التام، وفي حين أن بقية الألوية تدين للسيستاني، وربما هناك كتائب وسرايا تدين لمرجعيات أخرى. فميليشيات السيستاني ما تشكلت إلا عام 2015 فقط، حين وجه النداء للعراقيين للتطوع في حرب تحرير المناطق التي تسيطر عليها «داعش» في العراق، بعد أن انهار الجيش العراقي، وأوس هذا لا يعترف بنفوذ السيستاني وتصادم مع العبادي، ولا يعترف بحكومته، ويعد ممثلاً للوجود الإيراني دون مواربة. أوس أحد أوجه الصراع بين المرجعيتين (خامنئي والسيستاني) في العراق، الذي بدأ يطفو على السطح منذ مايو (أيار) 2015، ويزداد حدة تزامنًا مع كبر السيستاني وتراكم أعداد الملفات التي اختلف عليها الاثنان، فإضافة إلى الخلاف الفقهي حول الولاية الكلية التي يمثلها خامنئي، أو الجزئية التي يمثلها السيستاني، اختلفا على الموقف من «الحشد الشعبي»؛ فالسيستاني رفض أن يقتصر الحشد على الشيعة، وأمر بضم العشائر السنية والأكراد له، في حين رفض خامنئي ذلك، واختلف في موقفهما من قتال العراقيين في سوريا الذي رفضه السيستاني، واختلفا على إدارة الحكم في العراق، فأيد السيستاني إصلاحات العبادي، في حين ناصر خامنئي المالكي ويسعى لإعادته للسلطة. يرى المحلل السياسي عبد الوهاب الحسيني، أن «القوى السياسية ممثلة بالتيار الصدري، وجناح العبادي في حزب الدعوة، والقوى السنية، والأكراد، سيقفون مع السيستاني، باستثناء الجناح الموالي لإيران، المتمثل بكتلة دولة القانون بزعامة المالكي، وحزب الفضيلة، والميليشيات المسلّحة كـ(حزب الله) ــ العراق، وعصائب الحق، وأبو الفضل العباس، وحركة الأبدال، وميليشيا الخراساني، وميليشيات أخرى صغيرة». ويلفت إلى أن «بعض المراقبين يرون أن السيستاني يفكر في مصلحة الطائفة في العراق، بينما خامنئي يفكر في مصلحة إيران، وأهمية تنفيذ الأجندات ولو على حساب الآخرين»... ويكشف أن «السيستاني أبلغ مقرّبين منه، بأن سياسة المرشد الأعلى في إيران، تزيد من عداء الآخرين للشيعة لا في العراق فحسب، بل في باقي الدول العربية» (جريدة «العربي الجديد» 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015). بيوت الاستشارة الأميركية تتدارس تأثير هذا الخلاف في مصالحها، وكيفية الاستفادة منه وتوظيفه؛ خدمة لتلك المصالح وتأمينها، في حين لا نجد أثرًا لمثل هذا الجدال في إعلامنا العربي، أو انعكاسًا له على السياسيات الخليجية تجاه القوى الفاعلة في العراق التي ما زالت تتعاطى إعلاميًا وسياسيًا مع الكتل العراقية الكبرى (سنة أو شيعة أو أكرادًا) على أنها صماء وموحدة، فكيف ممكن أن نتعاطى مع الشأن العراقي في ظل هذه التشظيات بحيث نحفظ مصالحنا وأمننا واستقرارنا؟!