كل دولة من دول العالم معرضة للاتهام من دول أخرى أجاء هذا الاتهام من دولة منفردة أو من تكتل لمجموعة من الدول. كما أن كل دولة، في عصر العولمة معرضة أيضا للاتهام من مؤسسات دولية لا تقل أهميتها عن أهمية الدول كالجمعية العامة للأمم المتحدة وهيئاتها وعلى رأسها مجلس الأمن وهيئة حقوق الإنسان. وفي مجال دفاع الدول عن الاتهامات الموجهة لها والتي يمكن أن تصل إلى الافتراءات بحكم الضغوط التي قد تمارسها الدول النافذة في السياسة الدولية، هناك في الغالب مستويان للدفاع، المستوى الأول هو المستوى القانوني الذي تمارسه الدولة عبر ممثليها في الهيئات الدولية وعبر القنوات الرسمية الخاضعة بدورها للمعايير الأممية المعترف بها من كل الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمستوى الثاني، والذي تمثل الدولة أيضا جزءاً مهماً فيه يتمثل في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي وعلاقات الدولة الخارجية ومخزون ضغوطها ومكانتها الإقليمية والدولية ممثلة بهيئاتها الدبلوماسية مضافاً إليها ما يقوم به الإعلام المهني في الداخل والخارج وما يتوفر من مؤسسات المجتمع المدني في الداخل. ولا يمكن لأي مراقب أن يغفل دور الإعلام بكل فروعه كرابط مهم لكل النشاطات المشار إليها كسبب لكسب هذه القضية أو تلك أو خسارتها وربما إضافة مزيد من الأضرار من خلال اتساع حيز الاتهام وترجيح الافتراءات. وفي هذا السياق، تلعب التجربة وطرق التفكير دوراً لا يقل أهمية عن صحة أو خطأ التهمة أو حتى الافتراء. معظم دول الاتحاد الأوروبي مثلا لديها قضايا مرفوعة أمام القضاء الأوروبي في بروكسل من دول أو مؤسسات أعضاء في الاتحاد حول حقوق الإنسان وقضايا مالية وتهرب ضريبي واعتداءات جنائية وعنصرية. لا توجد ضجة حول هذه المواضيع ما دامت في إطار الاتهام والكل إذا كانت صحيحة في قوانين الاتحاد يقبل بها ويعتذر من حيث المبدأ ثم يدافع ويستأنف وقد يكسب من خلال قراءة روح القوانين وعلاقة التشريع الأوروبي بالتشريع الوطني في البلد المعني. لا أحد يعارض أو يهاجم المدعي كالقول: لماذا يحق لكم أيها الألمان الأعداء القريبون ما لا يحق لنا نحن الفرنسيين؟ الخلط ممنوع، ما كان في الماضي شيئا وما نحن أمامه اليوم شيء آخر. اليوم نحن أمام دستور أوروبي وقعنا عليه سوياً والقضاء هو الحكم. ما هو مسموح للإعلام في الدفاع عن التهمة قراءة مختصة لمدى قرب هذا القانون الأوروبي للعدل وقانون هذا البلد أو ذاك والعمل على التصحيح أو الإبقاء بغض النظر عن الحكم الصادر في الدعوى المنظورة. ملخص هذا النهج في الدفاع عن البلد يقول بالبحث أولا حول صحة الإتهام ومن ثم نقضه أو تفنيده. وإذا كان المدافع متحمساً ضد البلد الآخر فليقم دعوى على قضية بعينها في البلد المعني. هكذا يتخاصمون دولا ومجتمعات. هل يتصرف الغربيون بنفس الطريقة مع شعوبنا وحكوماتنا؟ هذا هو بيت القصيد ومن السذاجة الاعتقاد بذلك. لكن الاعتقاد السائد لدينا والقائم لسوء الحظ على طريقة للتفكير لا تزال على ضفاف العصر يدفعنا للاعتقاد والعمل على المبارزة وإلقاء التهم التي وإن كانت صحيحة لا تفعل غير خلط الأمور والتشعب من الغزو الصليبي والاستعمار وصولاً إلى السياسات البترولية التي تديرها الشركات ومراكز المال العالمية. هذا التشويش العاطفي المبرر بما حدث لبلداننا لن يكون فعالاً في الدفاع عن العديد من الحملات المشبوهة الموجهة لبلداننا وشعوبنا. صحيح أن طرق التفكير السائد في معظم وسائل الإعلام ليس غريباً على طرق تفكير الكثير من الناس. قدم لأقرب الناس إليك نصيحة حول بعض مثالبه وسيرد فوراً وقبل أن يفكر في مثلبته: أنت أيضا لديك نفس المشكلة، وستتغير سحنته وسحنتك. لكن ذلك لا يعني ثبات الحال فالأرض مع ذلك تدور. اليوم، هناك المئات بل الآلاف من الكوادر الوطنية الشابة المتسلحة بأعلى الكفاءات ومنهم من أكمل تحصيله في أعرق الجامعات الأوروبية والأمريكية، يستطيعون إذا أتيحت لهم الفرصة عمل الفارق في الإعلام والإدارة واستنباط الحجج المستمدة من معرفة طرق التفكير الكونية التي لا يمكن أن تمرر الافتراءات المبنية على طرق تفكير«الشرقيين» في السياسة والاقتصاد. صحيح أننا في الغالب لا نزال نسوق الاتهامات المضادة بالجملة أمام كل الاتهامات حتى ولو كانت لا تخدمنا، لكن التغيرات المتسارعة ستعزز استلام الكفاءات الشابة لمسئولية البناء والتفاعل مع العالم خيره وشره. ثمة معالم واضحة للأمل لدى الجيل الجديد معززة بخبرة من سبقوهم ببعض العلم مع توق متنام لعامة الناس في حياة كريمة توفر مساحات أوسع للمواطنة الحقة التي هي الضمانة الملموسة للدفاع عن الوطن وأهله.