يشهد الواقع الأفريقي تنوعاً وتعدداً في الأديان والمعتقدات وهو ما يضفي على دراسة الظاهرة الدينية وارتباطها بالتحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها القارة أهمية خاصة. ولعل الملاحظة الأساسية المرتبطة بحقيقة الأديان التقليدية في أفريقيا أنها محلية الطابع، فهي أشبه بالجزر المعزولة، أي أنها لا تمتلك أي فعالية خارج نطاق الجماعة الدينية المؤمنة بها. وهي لا تطرح أي رؤى تجديدية، وليس من أهدافها تجاوز جماعتها العرقية والانتشار على المستوى الوطني أو القاري. فضلاً عن ذلك فهي مشدودة إلى الماضي والأسلاف أكثر من استشرافها للمستقبل، فكل الذي تقوم به هو الإبقاء على الوضع القائم ومقاومة أي تغيير. وعليه لم تشهد القارة قبل قدوم المسيحية أو الإسلام ما يمكن أن نسميه بظاهرة الحروب الدينية أو حركات الإحياء الديني. وإذا كان الإسلام هو أكثر الأديان انتشاراً في أفريقيا حتى أنها وصفت بقارة الإسلام، فإنه في جوهره بالنسبة للشعوب الأفريقية يُعد ديناً أفريقياً انتشر بقوته الذاتية وخصائصه الدفينة. إنه أكثر الأديان صلاحية وارتباطاً بالواقع الأفريقي. وعليه فإن دراسة الظاهرة الإسلامية في أفريقيا من خلال كتاب «الخطاب الإسلامي في أفريقيا: جدلية الهوية والحداثة والتغيير»، للدكتور حمدي عبد الرحمن - دار الهلال، القاهرة، تطرح عدداً من الملاحظات المهمة من أبرزها: أولاً: على رغم التحديات التي تواجه الإسلام في أفريقيا ولا سيما غير العربية فإنه كجوهر لنظام حضاري وقيمي لا يزال بمقدوره أن يمارس دوراً مهماً في عملية النهضة والتطور للشعوب الأفريقية من خلال طرح نموذج تنموي بديل يعبر عن واقع وطموحات الإنسان الأفريقي في بداية القرن الحادي والعشرين. ثانياً: القضية الأساسية في أفريقيا غير العربية ذات جانبين أولهما يتمثل في حركة التجديد الديني بهدف العودة بالعقيدة إلى مرحلة النقاء الأول. والثاني يرتبط بعملية نشر الدعوة حيث يعد الإسلام أكثر الأديان انتشاراً، وربما يعزى ذلك إلى قدرته على التطويع والتطبع إزاء الواقع الأفريقي، فضلاً عن تأكيده على قيم العدالة والمساواة، والنظر إليه في الإدراك الأفريقي على أنه ليس ديناً أجنبياً. ثالثاً: إذا كانت مسالك الإسلام في أفريقيا متعددة ومتشعبة حيث تشتمل على دور التجار والدعاة من الأفارقة أنفسهم، فضلاً عن الطرق الصوفية، فإن حروب الجهاد الإسلامي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر التي شهدتها بعض مناطق أفريقيا مثل بلاد الهوسا، اكتسبت أهمية خاصة نظراً لأنها أدت إلى قيام دولة إسلامية تصدت بقوة للغزو الأوروبي وشكلت بذوراً للمقاومة الوطنية للاستعمار، ومن جانب آخر في كونها طرحت رؤى إصلاحية وتجديدية تهدف إلى تنقية الإسلام والعودة به إلى الأصول، ولا سيما من خلال الفقه المالكي وذلك في مواجهة تأويلات الصوفية التي انتشرت على نطاق واسع في المجتمعات الإسلامية الأفريقية. رابعاً: لقد خضع تحليل الظاهرة الإسلامية في أفريقيا لعملية دعاية مغرضة في الكتابات الأوروبية المتخصصة حيث بدأ الحديث منذ نهاية القرن التاسع عشر عن ظاهرة «الإسلام الأسود». إنه إسلام خضع لعملية إعادة صياغة وتفكير، فأضحى أكثر توافقاً مع الخصائص النفسية للأجناس السوداء. وتجاوب بعض المفكرين الأفارقة، ولا سيما في أفريقيا الفرنكفونية وهذه الدعوة وقالوا بوجود مصادر محلية للإسلام، أو ما أطلق عليه أفرقة الإسلام. خامساً: سعت النخب الحاكمة في الدول الأفريقية الإسلامية بعد الاستقلال إلى محاولة تحييد المتغير الديني من خلال فرض دساتير علمانية تفصل بين الدين والدولة وتؤكد حرية المعتقد، وظهر واضحاً في الخطاب الديني الرسمي المرتبط بالدولة أو المتحالف معها أنه يسير وفق المشروع الوطني للنخبة السياسية الحاكمة. وإذا أخذنا الحالة السنغالية حيث يدين أغلب السكان بالإسلام لوجدنا أن ليوبولد سيدار سنغور أول رئيس لها كان مسيحياً كاثوليكياً، بل إن خليفته عبده ضيوف وهو مسلم كان متزوجاً من مسيحية من طائفة الروم الكاثوليك. سعى الكاتب إلى التركيز على أحد جوانب دراسة الظاهرة الإسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء وهي إشكاليات وقضايا التجديد والإصلاح الإسلامي في الواقع الأفريقي. وقد حاول في هذا السياق طرح رؤية شمولية لفهم بيئة وأنماط الخطاب الإصلاحي والتجديدي وذلك عبر المكان والزمان. وتمثلت التساؤلات الرئيسية التي طرحها على النحو التالي: ما حقيقة الأسباب والدوافع التي تفسر ظهور الخطاب التجديدي في دول كثيرة مثل السودان ونيجيريا والسنغال وزنزبار؟ ما أنماط هذا الخطاب وتنويعاته الفكرية والمعرفية؟ وما أهم الأطروحات الإصلاحية والتجديدية التي يطرحها كل خطاب على حدة؟ وهل ثمة رؤى مشتركة؟ كيف استجاب الخطاب الإسلامي لتحديات مشروع الحداثة الغربي من جهة ولواقع التخلف والتبعية التي تعيشها المجتمعات الأفريقية من جهة أخرى؟ وفي محاولة للإجابة عن تلك التساؤلات توزعت الدراسة على محاور خمسة رئيسية، إضافة إلى المقدمة والخاتمة: المحور الأول خصص لدراسة الظاهرة الإسلامية في أفريقيا في شكل عام من حيث إشكالاتها النظرية والمنهجية وتحدياتها التاريخية. أما المحور الثاني فناقش أنماط الخطاب الإسلامي الذي يطرح رؤى تجديدية تدفع بالدين ليكون مشروعاً للنهضة والتقدم، وقد شهدت القارة الأفريقية خلال القرون الثلاثة الأخيرة تيارات وحركات إصلاحية عدة تراوحت مناهجها ما بين العمل من داخل النظام الحاكم وبين الثورة عليه والإطاحة به. وناقش المحور الثالث خطاب الهوية والتعامل مع الآخر. وركز هذا الخطاب على مدخل الإصلاح التعليمي وتطوير النظام القانوني بما يحافظ على هوية المجتمعات الإسلامية كما هو الحال في شرق وجنوب أفريقيا. أما المحور الرابع فإنه خصص لمناقشة الجدل الذي أثاره خطاب تطبيق الشريعة في شمال نيجيريا حيث يطرح إشكالية الديموقراطية والتعامل مع الآخر غير المسلم. وطرح المحور الخامس تحديات المشروع الحداثي الغربي على مواضيع وقضايا خطاب التجديد الديني.