تمسك زعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة اللبنانية سعد الحريري في الذكرى التاسعة لاغتيال والده الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، بالموقف الذي كان أعلنه سابقاً بأن «الدولة وحدها من تضرب الحديد بالحديد. وإذا كان هناك فريق مسؤول عن تصدع الحياة الوطنية، فلا بد لنا أن نكون نحن مسؤولين عن الوحدة الوطنية. وإذا كان هذا الفريق مسؤولاً عن استدراج البلاد إلى حروب خارجية، فمسؤوليتنا تحييد لبنان. وإذا خالفوا الإجماع الوطني، فيكون علينا أن نزيد التزاماً بقواعد هذا الإجماع في اتفاق الطائف وإعلان بعبدا، وأضيفت إليهما وثيقة بكركي الأخيرة، التي نرى فيها خارطة طريق لجميع اللبنانيين، للمسلمين مثل المسيحيين، نحو قيام الدولة، وحصرية السلطة في يد المؤسسات الشرعية». أطل الحريري على الحضور في قاعة «بيال» في بيروت عصر أمس عبرالشاشة وقوبلت إطلالته بتصفيق حاد من حضور غصّت به القاعة تقدمته قيادات «تيار المستقبل» و»قوى 14 اّذار»، الى جانب رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة الذي وصل وسط تصفيق حاد، ونواب الكتلة والسيدة لما سلام التي مثلت الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام، وزوجات رؤساء الجمهورية صولانج الجميل وجويس الجميل ونايلة معوض، والنائب بهية الحريري. وحضر نائب رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» دريد ياغي، وعضو كتلة «القوات اللبنانية» النيابية ستريدا جعجع، رئيس حزب «الوطنيين الاحرار» دوري شمعون والنائب بطرس حرب والنائب سامي الجميل. كما حضرت شخصيات روحية وديبلوماسية بينها السفيران الاميركي ديفيد هيل والفرنسي باتريس باولي، وحشد من المناصرين. ورفعت في القاعة شاشة كبيرة حملت شعار الاحتفال «زمن العدالة». < بعد النشيد الوطني ودقيقة صمت حداداً على روح الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، عرض فيلم عن المواقف التي أطلقها رموز قوى 8 آذار عن ان المحكمة الدولية «اسرائيلية، وأميركية وغير عادلة، وان الشيطان يرعاها ونرفض تمويلها، ودعوة الى مقاطعة المحققين». ثم استمع الحضور الى كلمة أرملة الرئيس السابق للحكومة نازك رفيق الحريري.(الكلمة في مكان آخر) والى شهادات من أهالي الشهداء ومداخلة من الخبيرة الاقتصادية هزار كركلا عن استاذها و«مرشدها» الشهيد باسل فليحان. كلمة رزق وقبل ان يلقي وزير العدل السابق شارل رزق كلمته، أعلن عريف الاحتفال صالح فروخ عن «توقيع نواب 14 آذار عريضة ترفع الى الامين العام للامم المتحدة تطالب بتوسيع صلاحيات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وبضم ملفات كافة شهداء قوى 14 آذار الذين سقطوا بعد 12 - 12 -2005 وهو تاريخ استشهاد الشهيد جبران تويني وهم الشهداء الذين كان آخرهم الوزير محمد شطح، ووضعها في عهدة المحكمة الدولية تحقيقاً للعدالة». وقال رزق في كلمته: «ليس 14 شباط ذكرى استشهاد لبناني كبير ورفاقه وحسب بل هو ذكرى محاولة القضاء على رؤية حملها وشرع في وضعها موضع التنفيذ». ورأى ان الحريري ادرك ان سبب انهيار الدولة اللبنانية ليس الحرب التي اندلعت عام 1975 بل ان غياب الدولة لان عجزنا عن التوحد وامعاننا في التشرذم الطائفي واستعانة كل فريق بمرجع خارجي يستقوي به هو الذي افقدنا السيادة وأوقعنا تحت الوصاية. وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، استمر اعداؤه يحاولون باصرار القضاء على الرؤية التي حملها ومن هنا سعيهم الدؤوب للحؤول دون قيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لانهم وعوا ان مهمتها لا تقتصر على محاكمة الفاعلين بل تتعداها الى اعادة ثقافة العدل الغائبة عن لبنان منذ زمن طويل». واضاف قائلاً: «صحيح ان قرار المحكمة سيكون غيابياً لعدم تسليم المراجع الامنية والقضائية اللبنانية المتهمين، لكن لجوء هؤلاء الى الفرار لن يغير في الامر كثيراً اذ ان ما يطلبه الناس يفوق الاقتصاص من الافراد والانتقام منهم، انما قامت المحكمة لتمهيد الطريق امام القضاء اللبناني ليقوم بدوره مجدداً». وشدد على «ان لا خيار لنا سوى خيار بناء الدولة وهو خيار لا يحتمل التأجيل اذا أردنا ان نحمي لبنان من الاضطرابات الحاصلة حوله، ومن العنف الذي يجتاز حدودنا ويتسلل الى احيائنا ولا دولة تردعه، فهي غائبة وتنتظر مكتوفة القرارات التي حدد مصيرها من دون مشورتها». وتوقف عند مسألة الحكومة «ووصف البعض لحقائب وزارية بأنها سيادية وغاب عنهم اننا في وطن فقد سيادته منذ عشرات السنين وعينهم على المناقصات جاهزة». كلمة الحريري وقال الحريري في كلمته: «عندما دخلت قبل شهر إلى قاعة المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان، شعرت للمرة الأولى منذ تسع سنوات، أن دوي العدالة في لاهاي كان أقوى من دوي الانفجار في ١٤ شباط ٢٠٠٥، وأن ابتسامة رفيق الحريري كانت أمضى من سلاح المجرمين والمتهمين، الذين قرّروا أن يدفنوا أنفسهم في أقبية الهروب. في لاهاي، عَطَّلت ثورة الأرز مفعولَ ثلاثة أطنان من المواد المتفجرة زُرعت في قلب بيروت لاقتلاع أمل اللبنانيين بالحرية والسيادة والاستقلال. ووقَّعتْ دماء وسام عيد ووسام الحسن وكل الشهداء، مطالعة الانتصار على القتلة والمخططين والمحرضين والمتواطئين والمنفذين وعلى كل من يشارك في إخفاء المتهمين». وأضاف: «في لاهاي انتصرت انتفاضة الاستقلال، وانتصرت إرادتكم، أنتم الذين زحفتم إلى بيروت مطالبين بتحقيق العدالة حاملين العلم اللبناني وحده، لإنهاء نظام الهيمنة والوصاية وإرادة الاغتيال السياسي في لبنان والوطن العربي. في لاهاي، أدركت وأدرك العالم لماذا طالب اللبنانيون بهذه المحكمة: متهمون خمسة باغتيال رفيق الحريري في حماية معلنة من حزب مسلَّح، ولا يمكن الدولة اللبنانية أن تسأل عنهم مجرد سؤال. متهم بمحاولة اغتيال بطرس حرب في حماية حزب مسلح، ولا يمكن الدولة أن تصل إليه لتسجيل شهادته، ومتهمون بتفجيري طرابلس معروفون بالأسماء ومكان الإقامة، لا يمكن الدولة أن تصل إليهم مجرد وصول. وبعد كل ذلك يسألون لماذا طالب اللبنانيون بالمحكمة الدولية؟». مؤكداً أن «لاهاي أعادتنا إلى تفاصيل الجرح العميق. إلى الوجع في لحظاته الأولى، وحركت فينا أوجاع كل الاغتيالات، من رياض الصلح إلى محمد شطح، لكنها لم تحرك فينا، وبحمد الله، أيَّ شعور أو رغبة بالثأر والانتقام». وسأل الحريري: «لو أراد رفيق الحريري أو محمد شطح أو بيار الجميل أو وليد عيدو أو رينيه معوض أو المفتي حسن خالد أو أي من عشرات الشهداء، أن يعلِّقوا على المحكمة التي أنشئت من أجل لبنان، هل كان يمكن أن يقولوا غير ذلك؟ هل يمكن أن نتصور أنهم سيطلبون الثأر أو يدْعون إلى الرد على الاغتيالات السياسية باغتيالات سياسية مضادة، وإلى حمل السلاح في وجه حملة السلاح والخارجين على الإجماع الوطني؟ وأنتم، رفاق رفيق الحريري وأحبته وجمهوره، هل تقبلون أن تكونوا على غير الصورة التي أرادها الرئيس الشهيد لوطنه؟». وقال: «أعلم أن فينا من يعتقد أن هذه اللغة لا تلاقي العواطف المشحونة بمشاعر الظلم والقهر، وأن هناك من يؤمن بأن الحديد لا يفلّه في النهاية إلا الحديد، وان الطرف الآخر المتهم بجريمة اغتيال الرئيس الحريري وباقي الجرائم، والمسؤول عن تصدع الحياة الوطنية واستدراج البلاد إلى الحروبِ الخارجية، هذا الطرف بات في نظر البعض منكم طرفاً لا تنفع معه لغة الحوار والجدل السياسي. ولكن، في لبنان الذي أراده رفيق الحريري وكل الشهداء، والذي نريده نحن جميعاً لأولادنا، الدولة وحدها هي من تضرب الحديد بالحديد». «التيار» على صورة رفيق الحريري وتابع: «أقول هذا وأعرف مسبقاً ما قد أواجه من انتقادات، ولكن أقول لكم أيضاً: تصوَّروا أن نخرق القانون، نحمل السلاح ونضعف الدولة ونخرج عن الإجماع الوطني ونفتي في العباد خدمة لمصالح ذاتية ونخوّن من لا يرى رأينا ونكفّر من لا يتّبع طائفتنا ومذهبنا، ثم يحارب بعضنا بعضاً... في الحقيقة هذا كله سهل، الدمار والقتل والخروج على الدولة سهل، فهل هذا هو لبنان الذي تريدونه؟ لبنان الموت والخراب والخروج على الدولة والقانون والدستور؟». وقال: «سأكون صريحاً ومباشراً: تيار المستقبل، إما أن يكون على صورة رفيق الحريري أو لا يكون، إما أن يكون في مستوى أحلامه ومسيرته وكفاحه وتاريخه القومي والوطني وإما لن يكون». وزاد: «نحن من مدرسة تفتدي الوطن بالأرواح، ولسنا من مدرسة تفتدي الحزب أو الطائفة بالوطن. نحن من مدرسة دفع ويدفع قياديوها حياتهم ثمن حق لبنان واللبنانيين بالحياة والحرية والكرامة، وثمن وضع مصلحة لبنان أولاً، لا من مدرسة يدفع قياديوها بلبنان واللبنانيين إلى الموت والخوف والمذلة خدمةً لمصالح خارجية»، مشيراً إلى أن «شباب تيار المستقبل وشاباته وكل من يمتّ بصلة المحبة والوفاء والشراكة الوطنية إليه يدركون هذا الفهم بعمق، وسنتصدّى للتحريض والدعوات المشبوهة لزج اللبنانيين، والطائفة السنّية خصوصاً، في حروب مجنونة لا وظيفة لها سوى استدراج لبنان إلى محرقة مذهبية. أما أولئك الذين يتوهمون وجود بيئة حاضنة للإرهاب في لبنان ويحاولون أن يلقوا المسؤولية على تيار المستقبل وعلى المدن والبلدات المعروفة بغالبيتها السنية، فنؤكد لهم أن أوهامهم مردودة إليهم، فكما يرفض تيار المستقبل أن يكون على صورة حزب الله فإنّنا نرفض أن نكون على صورة داعش أو النصرة، ونرفض أي دعوة لإقحام التيار والسّنة في لبنان بالحرب الدائرة بين حزب الله والقاعدة». ولفت إلى أن «هؤلاء جميعهم يمثّلون مفاهيم مدمِّرة وأدوات لاستنزاف الدولة ومشاريع لحروب لا تنتهي بين المسلمين. نحن، معَ الأكثرية الساحقة من أهل السّنة في لبنان، سنواجه هذه المشاريع وأيَّ أمر يسيء لاستقرار البلاد وقواعد الإجماع الوطني. هذه ثوابتنا، وأيُّ خروج عليها هو اغتيال ثان لرفيق الحريري»!. وقال: «كلامنا واضح وضوح الشمس، وهو ليس معروضاً للتفسير أو التأويل أو التبرير. نحن نؤكد على ثوابت نلتزم بها وقدّمنا في سبيلها الشهداء، رفيق الحريري وباسل فليحان ووليد عيدو ووسام عيد ووسام الحسن ومحمد شطح لم يستشهدوا ليكون تيار المستقبل ومِن خلفه السنّة في لبنان حاضنة لأي تنظيم إرهابي، هم لم يستشهدوا مع بيار الجميل وسمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي وانطوان غانم وهاشم السلمان وكل الشهداء، ليسلِّموا حزب الله حقَّ الإمرة في الشؤون الوطنية ويغطوا مشاركته في الحرب السورية»، مضيفاً: «سبق وتحدثنا إلى حزب الله مباشرة وجلسنا معه إلى طاولة الحوار كثيراً، وتوجّهنا إليه بمئات الدعوات لوقف مسلسل اهتراء الدولة بفعل انتشار السلاح. فلم يستمع لأحد، وهو يتعامل مع الدولة بصفتها ساحة لمشروع إقليمي خاص، ويزج بلبنان في حروب تعود عليه بالخراب. وبرغم ذلك، قلنا إن المصلحة الوطنية لا يجوز أن تبقى أبوابها موصدة، وأعلنتُ من لاهاي، خلال محاكمة المتهمين، أن حماية لبنان والاستقرار الوطني أهم منا جميعاً، وأن أي كلام عن عزل الطائفة الشيعية باطل هدفه اختزالها بالحزب والسلاح». وقال: «أردنا الحكومة خطوة على طريق الاستحقاق الرئاسي، وتتويج عهد الرئيس ميشال سليمان بمبادرة وطنية جامعة تضاف إلى الإنجاز المتمثل بالدعم الكبير الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للجيش اللبناني». وتناول الحريري في كلمته الاستحقاق الرئاسي فقال: «نحن نرفض الفراغ في رئاسة الجمهورية، لأن دولة يرأسها الفراغ هي دولة برسم الانهيار، ونحن لا مشروع لنا سوى الدولة، ونرفض الفراغ فيها، لأننا من مدرسة تعتبر الرئيس المسيحي الماروني اللبناني رمزاً للعيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين، الذي نعلن تمسكنا به أساساً للبنان. نعم، نحن تيار المستقبل نرفض أن يكون منصب الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، لا بل الرئيس المسيحي الوحيد من سواحل الهند إلى شواطئ المغرب، مرشحاً للفراغ»، لافتاً إلى أنه «إذا كانت وصاية آل الأسد على لبنان قد جعلت رئاسة الجمهورية مناسبةً لتخطّي إرادة المسيحيين في لبنان وإشعارهم بغبن التمثيل، وإشعار المسلمين معهم بالوصاية التامة، فإننا في تيار المستقبل لن نقبل إلا برئيس يمثل الإرادة الوطنية للمسيحيين ويرفض كل وصاية إلا وصاية الدستور». مشروعنا الدولة و«لأن لا مشروع لنا، سوى الدولة»، قال الحريري، «أتوجّه إلى الحكماء في الطائفة الشيعية وفي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وإلى أبناء الإمام موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله ومقلديهم، وإلى العلماء الذين يجاهرون بقول الحق، ويتقدّمون نخبة من الشخصيات والمثقفين وأصحاب الرأي الشجعان، وأتوجه خصوصاً إلى دولة الرئيس نبيه بري بكل ما توجبه الأمانة والصدق في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان، بصفته ركناً من أركان الطائفة الشيعية في لبنان وقيادياً له باع طويل في خوض الأزمات وإنتاج المخارج وترميم الجسور بين اللبنانيين. هناك أمور كثيرة يمكن التحدث عنها، سأكتفي اليوم بطرح موضوع المشاركة في الحرب السورية، والفائدة التي يجنيها لبنان وتجنيها الطائفة الشيعية خصوصاً من هذه المشاركة، فهذا الموضوع بات يشكل الخطر الأكبر على الاستقرار الوطني وعلى أسس الحياة المشتركة بين الطوائف الإسلامية خصوصاً، سواء من خلال المشاركة المباشرة لآلاف المقاتلين من الجنوب والضاحية والبقاع وجبيل في المعارك إلى جانب النظام السوري، أو من خلال الارتدادات الداخلية والسورية لتلك المعارك على السلامة العامة للبنانيين في كل المناطق». وأضاف: «هناك آلاف المقاتلين من حزب الله في سورية، وهناك العشرات ممن يلتحقون عبر الحدود بتنظيم القاعدة وغيره، وهناك موجة غير مسبوقة من الانتحاريين تتسلّل إلى مناطق تواجد حزب الله، وهناك قرى في عكار والبقاع تتعرّض بشكل شبه يومي للقصف من الداخل السوري، وهناك مواطنون لبنانيون أبرياء يدفعون من أرواحهم وأرزاقهم ثمن التورط في الحرب السورية، والأخطر من كل ذلك الأبعاد المذهبية المتنامية لانخراط اللبنانيين في هذه الحرب، والاستنزاف الكبير الذي يطاول مؤسسة الجيش وسائر القوى الأمنية والعسكرية». وخاطب بري قائلاً: «يا دولة الرئيس، لا ننادي بتحييد المواقف السياسية عن الوضع في سورية، إننا بمثل ما نعطي أنفسنا حق التأييد السياسي والإعلامي للمعارضة، لا نحجب هذا الأمر عن مناصري (الرئيس السوري) بشار الأسد، ولكننا لن نتوقف عن السعي إلى طريقة لتحييد لبنان عن التورط العسكري في المسألة السورية وتجنيب اللبنانيين خطر انتقال الحريقِ السوري إليهم». ولفت إلى أن «ما حصل في الضاحية والهرمل وعكار وطرابلس وعرسال هو نماذج من التورط في هذا الحريق. ونحن نفترض أن معاناة الناس ومشاهد السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية التي حصدت عشرات الأبرياء، إضافة إلى مئات النعوش التي تعود بجثامين القتلى من ساحات المعارك، وحالات الذعر والقلق التي تطارد المواطنين في كل المناطق، والاصطفاف المذهبي الذي يتعاظم يوماً بعد يوم، والخسائر الكبيرة التي حلّت بالاقتصاد ولقمة العيش، كافية لإعادة النظر في قرارات لم تجلب إلى لبنان سوى القتل والدمار». وإذ اعتبر أن من يقول بغير ذلك «يكذب على نفسه وعلى اللبنانيين»، سأل: هل هذا ما نريده لأولادنا يا دولة الرئيس؟ هل نريد أمهات وآباء يبكون على أولادهم أم يفرحون بشهاداتهم الجامعية؟ هل نريدهم أن يرفعوا أيديهم ليحملوا نعوش أولادهم أم أن يرفعوا رؤوسهم بعلم أولادهم وعملهم وإبداعهم وإنجازاتهم، كما يرفعون رؤوسنا جميعاً واسم كل لبنان في كل العالم؟». وقال: «من هنا تبدأ، يا دولة الرئيس، خطّة الدفاع عن لبنان وحماية اللبنانيين من خطر التنظيمات الإرهابية. تستحيل مكافحة الإرهاب من خلال تفرد حزب بإعلان الحرب. مواجهة الإرهاب تحتاج بكل بساطة إلى تكاتف وطني واسع يعيد الاعتبار لإعلان بعبدا، وتحتاج إلى جيش قادر على حماية الحدود وإحكام السيطرة على المنافذ والمعابر ذهاباً وإياباً»، مؤكداً أن «مواجهة الإرهاب تتطلّب قراراً سريعاً من حزب الله بالخروج من سورية والتخلّي عن وهم الحرب الاستباقية والاعتراف بوجود دولة لبنانية هي المسؤولة عن سلامة الحدود والمواطنين. فهل هناك من يسمع، ويتعظ، ويتواضع، ويبادر؟». وقال: «لن نفقد الرهان على صوت العقل، وعلى الموقف الوطني الشجاع الذي يخرق جدار العناد السياسي، وإذا كان الحوار يجدي في التوصل إلى ذلك ويساهم في وقف النزف، فنحن لن نتأخر عن المشاركة، وتقديم بارقة أمل إلى اللبنانيين بأن بلدنا قادر على إنتاج الحلول ودرء الفتنة». يستحقون الحياة لا الموت وأشار الحريري إلى أنه «بعد تسع سنوات تبقى فكرة بسيطة وأساسية، وهي أن رفيق الحريري ومحمد شطح وكل الشهداء كانوا يستحقون الحياة وليس الموت، الطفل الذي كان ذاهباً إلى مدرسته في حارة حريك والمؤمن الخارج من المسجد في طرابلس والمواطن الخارج من بيته في الهرمل أو صيدا ليؤمن لقمة العيش لعائلته، كانوا يستحقون الحياة وليس الموت، والسيدة التي كانت تدرّس أطفالها في عرسال كانت هي وأولادها يستحقون الحياة وليس الموت». وقال: «السؤال الحقيقي بعد تسع سنوات على اغتيال رفيق الحريري هو ما إذا كان لبنان برأينا يستحق الحياة وليس الموت... رفيق الحريري ولد في منتصف القرن العشرين وأمضى آخر عشرين سنة من القرن العشرين يخطط ويعمل وينجز لإدخال لبنان إلى القرن الحادي والعشرين، واليوم، وبعد تسع سنوات على اغتياله، بات اللبنانيون رهائن عند جماعات تريد أن تعيد لبنان إلى القرون الوسطى! نحن، ومعنا كل اللبنانيين، جوابنا أن لبنان يستحق الحياة، كل أم لبنانية تستحق أن يكون همها أن ينجح ابنها أو بنتها في المدرسة، «مش إذا بيرجعو من المدرسة طيبين»، كل أب لبناني يستحق أن يكون همه أن يكبر أولاده ويتخرَّجوا من الجامعة ويجدوا عملاً ويؤسسوا عائلة، وليس إن يتحوَّلوا إلى عاطلين من العمل في بلد ليس فيه فرص عمل، أو إلى مشاريع هجرة دائمة. وكل لبناني، صغيراً كان أو كبيراً، يستحق دورة حياة طبيعية الابن يدفن فيها أبيه وليس العكس، والحفيدة تصلّي فيه على جدتها وليس العكس». وإذ لفت إلى الترابط بين العدالة والاعتدال، أوضح أنه «في لغتنا الكلمتان تتحدران من العدل، وبهذا المعنى زمن العدالة هو زمن الاعتدال، وأهل العدالة هم أهل الاعتدال، ونحن أهل الاعتدال الذين وقفنا ونقف في وجه كل تطرف، مهما كان». وقال: «كما شهدتم، فإنه بعد كل شيء انطلقت المحاكمة، وانتصر منطق العدالة، وليس لدي أي شك، ولا في أي لحظة، أن منطق الاعتدال سينتصر، منطق الدولة والكرامة والحياة. نحن معكم، بهذا المنطق صامدون، ومعكم ومع كل اللبنانيين سننتصر، بالعلم، بالعمل، بالدولة، بالعدل، بالعدالة وبالاعتدال».