في زمن ليس ببعيد، كان السفر إلى الخارج أمرا تختص به فئة قليلة من القادرين على تحمل أعباء السياحة الخارجية العالية، وبالتالي فقد كانت أيضا زيارة بعض البلدان كالأوروبية مثلا هي حلم يمكن أن يتحقق أو لا، فمن كان في تلك الأيام يستطيع مُجارات تلك الدول في ارتفاع أسعارها..؟ خاصة بعد توحيد العملة ، دون أن نشمل في حديثنا الجنيه الإسترليني فتلك حكاية أخرى.. كنا محاطين بعبارات قد لا نعرف سبب ذكرها لكننا رددناها وفقاً للغرض من الحديث، فعندما نقول كل الطرق تؤدي إلى روما.. هل كانت حقاً كل الطرق بتلك السهولة تؤدي إلي روما.. أو نتغنى بليالي الأنس في فيينا، حتى أصبحنا نحلم بذلك اليوم الذي نهبط فيه على أرض فيينا لننعم بليالي الأنس فيها، و “إللي يشرب من مية النيل يرجع لها ” أما هذه فلا أكذبكم القول حقيقة لها وقعها في نفسي. كم تمنينا أن نرى تمثال الحرية، ومتحف اللوفر، وابتسامة تلك الموناليزا، ونزور تاج محل، ونستمتع باختلاف الحضارة بين التركيتين، ونمر من خلال شلالات نياغرا.. كل تلك الصور كانت حلماً.. لكن الظروف تغيرت، وأصبحت السياحة الخارجية اليوم أقل كلفة من الداخلية – حقيقة يجب أن ينظر لها بعين الاعتبار – ساهم في ذلك ظهور المكاتب السياحية وتنظيم الرحلات الجماعية، فاكتظت الدول بالعرب السواح في كل بلدان العالم من أقصى الشرق إلى الغرب، وأصبح البعض يزور أكثر من بلد في فترات متباعدة من نفس العام، بل أن هناك من حاول اكتشاف دول لم يكتشفها ماجلان وابن بطوطة.. بغرض الخلود للطبيعة والاسترخاء، بعد عناء عمل متواصل وبعيداً عن صخب باقي السائحين، إلى أن تربت داخلنا قاعدة أنهم أفضل منّا، وكبر حجم عقدة الخواجة التي توارثناها جيلاً بعد جيل، وأصبحنا ننظر لكل ما تنتجه أيدينا بعين النقص، وكل ما نحصل عليه منهم بعين الكمال.. قد نحرص كثيراً على زيارة الأماكن الأثرية في مناطقنا، ونطلق ابتسامات عريضة عندما نتذكر نسمات الماضي الجميل، وليالي الأنس باختلاف ثقافة كل منطقة في البلد الواحد، نشعر بعظيم الفخر ونحن نستمع لكلمات كبار السن وذكرياتهم، وكأننا أطفال صغار نستمع “لحكاية” ما قبل النوم.. إذا فليالي الأنس ليست فقط في فيينا. كل ذلك يختفي عندما يخبرونا عن أناقة الفرنسي ولباقة الإنجليزي وبساطة الإيطالي و رقي السويسري، فنتناسى نحن بدورنا الميزة التي تميز بها العربي، بل نجعله في موضع السخرية والتنكيت، وكأننا نخبر باقي المجتمعات أن فتانا رجل كهف ينتظر أن ينهل من ثقافتكم، حتى أننا أصبحنا نوصف من تمتع بالصفات الجيدة أنه طراز أوروبي، دون أن نذكر أن شهامته ومروءته ودماثة خلقه التي تظهر في تعاملاته مع الجميع قد تعود لأصله العربي.. لعلنا معذورون في ذلك فقد تعرضنا لصدمات في المستوى الحضاري من بعض النماذج، إلا أننا أخطأنا وعممناها على الجميع، حتى تحولت إلى سمات نصفهم بها.. أنظر حولك.. أمامك أو بجانبك، كم فتى وفتاة تشعر بالفخر وأنت تخبر من حولك أنهم ينتسبون لك..؟ بالنسبة لي المساحة لا تكفي لأدون أسماءهم.! للتواصل .. تويتر- فيس بوك eman yahya bajunaid