×
محافظة المنطقة الشرقية

أمطار متوسطة على أجزاء من العاصمة المقدسة

صورة الخبر

جيرانك هم الأشخاص الذين يعيشون في محيطك المكاني بشكل دائم، فماذا عن علاقتك بهم؟ هل القرب المكاني له تأثير إيجابي على العلاقة أم كان على العكس من ذلك له آثار سلبية في قطيعة وصدام واعتداء؟ الوقائع تشهد أمثلة لكلا الجانبين الإيجابي والسلبي، الذي نرجوه أن ننجح في إقامة علاقة حسن الجوار باعتبارها سببا من أسباب السعادة كما بينها رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم) حيث يقول: ((أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ وَالْجَارُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيُّ وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ الْجَارُ السُّوءِ وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ الضَّيِّقُّ وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ)) [صحيح ابن حبان (9/‏‏ 341)) ]. إن ضعف الوازع الديني، والجهل بحقوق الجار، واختلال موازين القيم، وتفشّي مفهوم الانعزالية والأثرة، والسعار المادي من وراء تدهور علاقة الجوار وتلاشيها في حياة كثيرين. وعلينا أن نعمل معا على بناء علاقة حسن الجوار ولو في حدها الأدنى .. قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ }[النساء: 36]. والحد الأدنى من علاقة الجوار هي المسالمة أو كف الأذى، فالمأمول أن يكون الجار مصدر أمان وسلام لجاره، وقد جعل الإسلام ذلك من صميم الإيمان ذاته فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، )) البخاري (10/‏‏ 373)، وقال:«والله لا يؤمن والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قيل من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» البخاري (10/‏‏ 370، 371)، وفي رواية لمسلم: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)، والبوائق عنوان واسع لكل ألوان الأذى والشرور بصوره كافة. إن الإيذاء قد يبدأ بالمضايقات بإيقاف السيارة أمام باب الجار، أو وضع المهملات عند جداره، أو رفع الأصوات بالتلفاز أو الأبواقِ المزعجة، أو لعب الأولاد بالكرة وإزعاجهم للجيران، أو الكتابة على جدار الجار، وقد يتنامى الأذى والضرر إلى كشف أسرار الجار، والتعدي على حقوقه وممتلكاته وتتبع عوراته، واستراق النظر إلى محارمه أو المعاكسة لهن عبر شتى الاتصالات، وغير ذلك واسمع إلى عنترة الشاعر الجاهلي يقول: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها وهذا الحد الأدنى من العلاقة قد يكون كافيا فيما يتعلق بالجيران الذين يخشى من تطور العلاقة بهم إلى ما يشكل خطورة على الأسرة وأعراضها وأطفالها للاختلاف الحاد في الثقافات والسلوك الأخلاقي فمن الأسلم أن تكون العلاقة في إطار المسالمة والمناصحة دون المخالطة، كما يقول المثل الدارج: «صباح الخير يا جاري أنت في حالك وأنا في حالي». لكن حسن الجوار لا يقف عند حد كف الأذى، فقد دعانا الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى إكرام الجار، قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ) صحيح مسلم - (1/‏‏ 69) والوصية بالجار سمت بعلاقة الجوار إلى ما يشبه علاقة القرابة: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» رواه مسلم. والإحسان يضم أرقى مستويات التعامل الاجتماعي من تفقد وتزاور وتعاون ومساندة، ومشاركة وجدانية في الأفراح والأتراح؛ وأقرب من تلجأ اليه أو يلجأ إليك عند الحاجة أو الأزمة هو جارك. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابًا» البخاري (10/‏‏ 374). ومن قصص السلف في حسن الجوار أن أبا الجهم العدوي لما باع داره بمائة ألف درهم، قال: بكم تشترون جوارَ سعيد بن العاص؟ قالوا: وهل يُشْتَرى جوارٌ قط؟ قال: ردوا عليَّ داري، وخذوا مالكم؛ لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عني، وإن رآني رحَّب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأله بدأني، وإن نابتني نائبة فرَّج عني. فبلغ ذلك سعيدًا، فبعث إليه بمائة ألف درهم. تلك قصص نادرة في حسن الجوار، لكن قصص الفتور الذي أصاب العلاقات بين الجيران هي الأكثر انتشارا، وهذا الواقع الراكد علينا أن نبادر إلى تحريكه أو تغييره، ولعلنا بحاجة إلى تنشيط مبادرة (جاري) التي أطلقت منذ عامين من قبل وكالة التنمية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية، وأن تقوم المساجد ومراكز التنمية الاجتماعية، ولجان التنمية الأهلية، ومراكز الأحياء بدورها لتعزيز قيمة حسن الجوار في نفوسنا ونفوس أولادنا. عزيزي القارئ .. جارك ليس الملاصق لسكناك فحسب، بل يلحق به من يجاورك في المتجر، والسوق، والمزرعة، والمكتب، ومقعد الدراسة، فأين أنت منهم؟.